كولومبيا تواجه مصير فنزويلا... حرب ترامب على المخدّرات نهايتها الاستسلام!
"تاجر مخدّرات"، "صاحب مكانة اجتماعية منخفضة"، و"سيئ السمعة ومجنون وغير محبوب وغير شرعي". هذه اتّهامات الرئيس الأميركي دونالد تامب لنظيره الكولومبي اليساري غوستافو بيترو، وأرفقها بقرارَي خفض المساعدات وفرض رسوم جمركية. هي حرب ترامب على المخدّرات التي تتوسّع، والآن على ما يبدو أتى دور كولومبيا، مع استمرار التوتّر مع فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو.
انتشار عسكري أميركي ضخم في البحر الكاريبي. غارات أميركية آخرها، التي أعلن عنها وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث، على مركب لتهريب المخدّرات تابع لـ"جيش التحرير الوطني الكولومبي" ومقتل 3 أشخاص.
يعتبر ترامب الأراضي الكولومبية آلة لتصنيع المخدّرات، وتحذيره واضح: "من الأفضل له أن يُنهي بيترو عمليات المخدّرات، وإلا فستنهيها الولايات المتحدة نيابة عنه، ولن يكون ذلك جيّداً!".
بالأرقام، تتصدّر كولومبيا قائمة الدول المنتجة للكوكايين عالمياً، إذ وصل الإنتاج إلى مستوى قياسي بلغ 2600 طن في عام 2023، بزيادة قدرها 53% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. فماذا ينتظر كولومبيا بعد فنزويلا؟
خفض التصعيد
خرَق لقاء يوم الثلاثاء أجواء التوتّر، إذ عقَد بيترو اجتماعاً "طويلاً وصريحاً وبنّاء" مع القائم بالأعمال الأميركي جون ماكنمارا. وفق الخارجية الكولومبية، "أكّد المسؤولان الكبيران التزام الطرفين تحسين استراتيجيات مكافحة المخدّرات (...) واتّفقا على أن هذا اللقاء يشكّل خطوة أولى نحو حلّ الجمود الحالي في العلاقات الثنائية، وأن مزيداً من الاجتماعات ستُعقد بهدف التوصّل إلى حلّ سريع".
تعدّ كولومبيا أكبر دولة أميركية لاتينية تتلقّى مساعدات مالية من الولايات المتحدة بحسب بيانات حكومية أميركية، إذ تجاوزت تلك المساعدات الـ 740 مليون دولار في عام 2023. ويخصّص نصف هذا التمويل لمحاربة المخدّرات بينما يذهب الجزء المتبقّي، في أغلب الأحيان، لدعم برامج إنسانية وغذائية.
يعتبر رئيس قسم الدراسات السياسية والدولية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة أن "كولومبيا تبدو اليوم في موقع حرج مشابه لما واجهته فنزويلا في بداية تحوّلها السياسي، إذ تتزايد الانقسامات الداخلية، وتتعاظم الضغوط الخارجية. إدارة ترامب تخشى أن تنزلق كولومبيا نحو محور يساري معادٍ للولايات المتحدة؛ لذلك فهي تعمل على إعادة ضبط المشهد السياسي والاقتصادي هناك من خلال أدوات ضغط اقتصادية وأمنية لمنع تكرار النموذج الفنزويلي، الذي اعتبرته واشنطن انتصاراً لموسكو وبكين في الفناء الخلفيّ لأميركا".

"الولاء مقابل الحماية"
كانت الأجواء مشحونة قبل لقاء الثلاثاء "محدود النتائج" حتّى الآن على الأقل، فالرئيس الكولومبي الذي تنتهي ولايته في آب/أغسطس المقبل وصَف نظيره الأميركي بأنّه "فظّ وجاهل تجاه كولومبيا".
وفي آخر تصريحاته، انتقد الإجراءات الأميركية ضد فنزويلا، متّهماً ترامب باستخدام "القوّة المفرطة" والسعي إلى غزوها بحجّة مكافحة تهريب المخدّرات للسيطرة على نفطها.
يرى سلامة، في حديث خاص لـ"النهار"، أن "ترامب يستخدم ملف المخدّرات كذريعة لإعادة بسط النفوذ الأميركي في المنطقة. فالحرب على الكارتيلات ليست فقط حرباً أمنية، بل وسيلة لتوسيع التدخّل السياسي والاستخباراتي والاقتصادي في دول الجنوب. من خلالها، تبرّر واشنطن وجودها العسكري والاستخباراتي، وتفرض اتّفاقات تعاون أمني تُخضع الحكومات المحلّية للتوجّه الأميركي الجديد القائم على الولاء مقابل الحماية".
وفي خطاب اعتُبر تاريخياً، حذّر بيترو من على منبر الجمعية العامّة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر بشدّة من أن "الخطّة التي تعدّها إدارة ترامب لفنزويلا لا تقل خطورة عن المشروع الاستيطاني التوسّعي الإسرائيلي في الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن "التعلّل بوجود كارتيلات مخدّرات فنزويلية بإشراف من مادورو تُغرق المجتمع الأميركي بتلك السموم ليس سوى أكاذيب مثل أسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2003".
وقال إن "الولايات المتحدة تسعى لاستخدامها ذريعة للإطاحة بالحكومة الحالية وتعيين حكومة مطيعة مكانها للاستئثار بنفط فنزويلا وثرواتها الطبيعية".
العلاقة مع إسرائيل... جزء من المشكلة؟
خلال وجوده في نيويورك، ألغت وزارة الخارجية الأميركية تأشيرة بيترو المناصر والمدافع عن القضية الفلسطينية بسبب تصريحاته "المتهوّرة والتحريضية" خلال وقفة احتجاجية، حثّ فيها الجنود الأميركيين على عصيان أوامر ترامب، قائلاً: "لا تصوّبوا صواريخكم ضد الإنسانية، لا تنحنوا للرئيس".
وفي خطابه، دعا بيترو دول العالم إلى "توحيد الجيوش من أجل تحرير فلسطين"، في وقت كانت غزة تحت القصف الإسرائيلي العنيف لمدّة عامين قبل التوصّل لاتّفاق شرم الشيخ.
يُعد بيترو من أشد معارضي الحرب الإسرائيلية على غزة. قطَع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وحظر التصدير إليها، واتّهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بارتكاب إبادة جماعية.
في هذا السياق، يُشير سلامة إلى أن "العلاقة مع إسرائيل باتت مقياساً للولاء للإدارة الأميركية. فكولومبيا التي أبدت تحفّظاً على بعض السياسات الإسرائيلية في غزة تجد نفسها اليوم تحت ضغط مباشر من واشنطن. ترامب يسعى لتوحيد الجبهة الأميركية اللاتينية خلف المحور الأميركي–الإسرائيلي لمواجهة النفوذ الإيراني (البترولي) والروسي المتنامي في القارّة. أي انحراف عن هذا الخط يُفسَّر كتمرّد على واشنطن، ويُواجَه بإجراءات عقابية أو تقليص في الدعم والمساعدات".
أمام كل هذا المشهد، لا بدّ من مراقبة التطوّرات في الجنوب الأميركي مع تسارع أحداثه وفق نهج ترامب وإدارته. ويقول سلامة: "ترامب يعتمد مزيجاً من الدبلوماسية الصلبة والنار الناعمة. فهو لا يسعى لحروب مباشرة، بل لحروب نفوذ واقتصاد وعقوبات، مدفوعة بخطاب قومي يُعيد فرض الهيمنة الأميركية تحت شعار استعادة العظمة".
ويختم: "في أميركا اللاتينية، يريد إعادة صياغة النظام الإقليمي بما يضمن خنق التمدّد الصيني والروسي، وإجهاض تحالفات اليسار الجديد، مع استخدام أدوات متعدّدة: العقوبات، الضغط الاقتصادي، الاتّفاقات الأمنية، وأحياناً التهديد بالعقاب العسكري. هدفه النهائي ليس الحرب، بل الاستسلام السياسي للخصوم واستعادة السيطرة الأميركية على الجنوب".
نبض