سباق تسلح جديد يلوح في الأفق... ترامب يأمر بإعادة الاختبارات النووية بعد 33 عاماً
جدَّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، تأكيده أن الولايات المتحدة ستستأنف تجاربها النووية بعد توقف دام أكثر من ثلاثة عقود، في خطوة أثارت تساؤلات دولية حول عودة سباق التسلح واهتزاز منظومة الردع النووي العالمية.
وخلال حديثه للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" أثناء توجهه إلى بالم بيتش بولاية فلوريدا، قال ترامب: "ستعرفون قريباً جداً، لكننا سنجري بعض الاختبارات"، رافضاً توضيح ما إذا كانت تشمل التجارب النووية التقليدية تحت الأرض التي كانت شائعة خلال الحرب الباردة. وأضاف: "الدول الأخرى تقوم بذلك. إذا كانوا سيفعلون ذلك، فنحن سنفعل، حسناً؟".
وكان ترامب قد أعلن، مساء الخميس، عبر منصته "تروث سوشال"، أنه أصدر تعليماته للجيش الأميركي بإعادة اختبار الأسلحة النووية فوراً، في خطوة قال إنها ضرورية للحفاظ على "الردع الاستراتيجي" أمام الصين وروسيا.

القرار النووي المفاجئ يعيد إلى الأذهان مشهد سباق التسلح الذي طبع العقود الأخيرة من القرن العشرين، حين تنافست القوى العظمى على تطوير ترساناتها في ظل ما عُرف بـ"توازن الرعب". ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت الإدارة الأميركية ستكتفي باختبارات محاكاة رقمية تحت إشراف إدارة الأمن النووي الوطنية، أم ستتجه نحو تفجيرات نووية ميدانية تخرق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي وقّعتها واشنطن عام 1996 ولم تصدّق عليها رسمياً حتى الآن.
ورغم الانتقادات التي وجهتها منظمات دولية تدعو إلى ضبط التسلح، يرى أنصار ترامب أن الخطوة رسالة ردع مزدوجة لكل من بكين وموسكو، في ظل تقارير أميركية تشير إلى أن روسيا أجرت خلال العام الجاري تجارب محظورة على صواريخ فرط صوتية مزوّدة برؤوس نووية.
في المقابل، حاول ترامب التخفيف من حدة الجدل حين سُئل عن احتمالات تصعيد عسكري جديد في أميركا اللاتينية، إذ نفى وجود نية لتنفيذ ضربات داخل فنزويلا، قائلاً إن التقارير التي تحدّثت عن توسيع الحملة الأميركية لمكافحة المخدرات في منطقة الكاريبي "مبالغ فيها". وأضاف أن إدارته تركز حالياً على "وقف تدفق الكيماويات المميتة" القادمة من آسيا إلى القارة الأميركية، في إشارة إلى مادة "الفنتانيل" التي باتت عنواناً لأزمة الإدمان في الولايات المتحدة.
غير أن التطورات الميدانية في كاراكاس بدت أكثر تعقيداً، إذ كشفت صحيفة واشنطن بوست عن وثائق تفيد بأن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين دعماً عسكرياً عاجلاً يشمل إصلاح منظومات الرادار والطائرات المقاتلة والصواريخ، وتمويلاً متوسط الأجل من شركة الصناعات الدفاعية الروسية "روستيك". كما أشار التقرير إلى أن فنزويلا فتحت قنوات اتصال مع الصين وإيران لتوريد معدات عسكرية وطائرات مسيّرة وأجهزة تشويش متطورة.
وتتزامن هذه التحركات مع مساعٍ صينية لتوسيع تعاونها العسكري مع فنزويلا، ما يزيد من تشابك خطوط المواجهة غير المباشرة بين واشنطن وبكين وموسكو في نصف الكرة الغربي، ويضع إدارة ترامب أمام تحدٍّ استراتيجي جديد على مقربة من حدودها الجنوبية.
أما على الجبهة الشمالية، فقد أعلن ترامب بوضوح أن الولايات المتحدة وكندا "لن تستأنفا المحادثات التجارية" في الوقت الراهن، بعد أسبوع من قراره تعليق المفاوضات إثر إعلان بثه إقليم أونتاريو حول سياسات تجارية محلية وصفها بأنها "غير منسّقة مع الاتفاقات الفدرالية". وقال ترامب إن "العلاقات مع كندا جيدة، لكن علينا أن نرى التزاماً أكبر قبل استئناف أي حوار اقتصادي جاد".
وتأتي تصريحاته في ظل تعقيدات مستمرة في ملف "اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية"، الذي تحاول واشنطن تعديله منذ سنوات. ووفق مراقبين، فإن تجميد المحادثات مع أوتاوا قد يعكس رغبة ترامب في التركيز على الملفات الأكثر حساسية في الشرق الأقصى، خصوصاً بعد لقائه "الإيجابي" كما وصفه، مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي قال عنه: "كان اجتماعاً رائعاً... لدينا اتفاق طويل الأمد، ونتقدم بشكل جيد في ملف الفنتانيل".
وفي الوقت الذي يَعتبر فيه مؤيدو ترامب أن مواقفه الجديدة تجسد "عودة الحزم الأميركي"، يرى معارضوه أن سلسلة مواقفه — من إعادة التجارب النووية إلى تجميد المفاوضات التجارية — تشكل نكسة في مسار الدبلوماسية الأميركية، وتعيد إلى المشهد الدولي خطاب العزلة والتحدي الذي طبع سنواته الأولى في الحكم.
نبض