صورة ترامب: بطل السلام في الخارج… المحارب الشرس في الداخل

تصوير شخصية عامة من زاوية دُنيا، وهو ينظر إلى أعلى، غايتها في العادة إسباغ الأسطورية على الشخص، وإظهاره بطلاً أكبر من الحياة، ذا سلطة وقوة.
إذا أضفنا عنوان العدد الأخير من مجلة "تايم"، المرفق مع صورة الرئيس الأميركي، "انتصار ترامب"، يمكن الاستنتاج بسهولة أن رسالة المجلة إيجابية، بل إذا كان الكتاب يُقرأ من عنوانه، فالغلاف يُمجّد الرئيس.
لم يكن هذا رأي ترامب بالطبع. النجم التلفزيوني الذي سيخطو إلى الثمانين العام المقبل، لطالما قدّم الشكل في الأهمية على المضمون. وكان يمكن للشارب الكثيف بشدة لمستشاره السابق جون بولتون، والذي تحوّل عدواً لدوداً، أن يحول بين الأخير والوظيفة التي نالها في البيت الأبيض خلال الفترة الأولى. وحين طُرد من وظيفته، كان شارب بولتون أول ما تذكره ترامب في معرض ذمّ المساعد المفصول من عمله.
لذا أثار حنقه "اختفاء" شعره من صورة غلاف "تايم"، و"ترهّل" عنقه، ولم يشفع للمجلة أن المقال "جيد" بحسب اعترافه، فالصورة كما يذهب المثل المشهور، أهم من ألف كلمة.
وترامب يعيش حالياً على قمة العالم. يُستقبل بلافتات ترحيب عملاقة على شواطئ تل أبيب تشكره برسم وكلمات يمكنه رؤيتها من مقعده في طائرته في السماء. ترافقه المقاتلات الحربية المصرية على جانبي الطائرة لدى دخوله الأجواء المصرية. يتوسط زعماء العالم، ويكون نقطة الارتكاز في أي لقاء، صغيراً كان أم كبيراً. دونالد ترامب هو الآن محور العالم.
قمة شرم الشيخ، الإثنين الفائت، كانت حدث ترامب العالمي الذي لم يستطع خصومه الديموقراطيون إلا الاعتراف به والإشادة بترامب وفريقه، بدءاً بالرئيسين السابقين جو بايدن وبيل كلينتون، والسيناتور تشاك شومر، وحاكم بنسلفانيا جوش شابيرو وغيرهم.
لكنّ الديموقراطيين لا يريدون الوقوف طويلاً عند هذا الإنجاز الخارجي الذي يضيف رصيداً إلى الرئيس وفريقه، لا بل إن السؤال الذي يطرحه معارضوه: لماذا لا يكون في الداخل كما هو في الخارج؟
السؤال يوحي بشعور الغُبن لدى من يطرحه. لكن ترامب لم يطرح نفسه يوماً رئيساً توافقياً يوحّد طرفي الكونغرس ويجمع أميركا من الساحل إلى الساحل. على العكس، فقد فاز ليس بناءً على خطة لتحقيق سلام عالمي، بل بتنفيذ ما لم يُسمح له بتنفيذه في ولايته الأولى، من ملف المهاجرين إلى التصدي لثقافة اليقظة وتحجيم الجسم الفيدرالي، وغيره مما انطلق بتنفيذه من اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، بجهد أكبر بمراحل من جهود إدارته على المستوى الدولي.
ترامب عاد أيضاً بأجندة انتقامية من الذين آذوه خلال السنوات الأربع التي قضاها خارج الحكم. الموظفون الذين استطاعت يده الرئاسية أن تطالهم طُردوا بلا رحمة، وأولئك الذين لا تطالهم بسبب تقاعدهم، كرئيس هيئة الأركان المشتركة السابق مارك مايلي (منحه بايدن عفواً رئاسياً)، فقد عمل ترامب على تهشيمه معنوياً، فأزال صورته من البنتاغون، وسحب الحماية السرية الأمنية، وفتح تحقيقاً في سلوكه لتخفيض نجومه الأربع إلى أقلّ.
"أميركا أولاً"، التي ينادي بها ترامب، هي أميركا صناديق الاقتراع أولاً وأخيراً. والخطاب الوحدوي وتخطي الأزمات بالتوافق وبالحوار مع الخصوم لا يبدو وارداً في قاموس ترامب، ولا في قاموس مستشاريه الكبار، عتاة اليمين الأميركي أمثال ستيفن ميلر، كما أن قاعدته الشعبية "ماغا"، تتفوق عليه في العداء للمهاجرين غير الشرعيين، ولليبرالية وإعلامها، ناهيك باليسار بكل درجاته.
هكذا، لا بأس بأن يحلّ السلام خلف المحيطات ما دامت أميركا ترامب هي التي تفرضه بالقوة. كذلك لا بأس بأن يخوض ترامب حرباً تجارية بلا هوادة ما دامت تحمي الأميركي منتجاً وصانعاً ومستهلكاً. لكن حروب ترامب الداخلية، وهو في أوج قوته، فرصة قد لا تتكرر لتحقيق ما أمكن من انتصارات على الجبهة الداخلية، في خضمّ أزمة الهوية السياسية التي يعيشها الحزب الديموقراطي وانقسامه على نفسه بين تقدّميين ومعتدلين ومحبطين، واتساع الهوّة العمرية بين أصحاب القرار فيه والطامحين، والاختلاف الحادّ بين هاتين الفئتين في كيفية مواجهة هذه المعضلة الكبرى في تاريخ الديموقراطيين: دونالد ترامب.