وعاد البنتاغون وزارةً للحرب!

صدقاً، لا يخطئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تسمية وزارة دفاعه "وزارة الحرب" الأميركية. فالولايات المتحدة في حالة حرب مستمرة تقريباً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، "وليس الأمر كما لو أن وزارة الدفاع كانت - بأي شكل من الأشكال - وزارة دفاعية حقاً"، كما يقول رون بول، المعارض الدائم للحرب. فقد وقّع ترامب رسمياً الجمعة 6 أيلول/سبتمبر الجاري، أمراً تنفيذياً يقضي بإعادة تسمية وزارة الدفاع "وزارة الحرب"، في عودة رمزية إلى التسمية التاريخية التي أُلغيت عام 1947، وفي خطوة أثارت نقاشاً سياسياً واسعاً وتساؤلات حول الحدود بين السلطة الدستورية وحساب الإنفاق.
اللقب إضافي
في كلمةٍ ألقاها ترامب من المكتب البيضوي خلال حفل توقيعه على الأمر التنفيذي الرئاسي، قال إن فعلته هذه "تُوجه رسالة انتصار وقوة إلى العالم أجمع"، وإن الاسم الحالي "غير ملائم"، حتى أنه وصفه بأنه "دفاعي جداً"، واتهم ما سمّاه "الخطاب السياسي الرائج" بأنه سبب ما لحق بأميركا من هزائم عسكرية. وأضاف: "انتصرنا في الحرب العالمية الأولى. وانتصرنا في الحرب العالمية الثانية. وانتصرنا في جميع الحروب السابقة. ثم قررنا تبني هذا الخطاب السياسي الرائج، فغيّرنا اسم وزارة الحرب إلى وزارة الدفاع".
وبحسب الأمر التنفيذي الرئاسي، يستخدم لقب "وزارة الحرب" بصفته "لقباً إضافياً"، بدلاً من تغيير الاسم الرسمي للوزارة، وهذا يتطلب موافقة الكونغرس. ويسمح الأمر التنفيذي لوزير الدفاع بيت هيغسيث باستخدام لقبه الإضافي "وزير الحرب" في المراسلات الرسمية والبيانات العامة والفعاليات الرسمية. وعلى الوزارات والوكالات الحكومية كلها استخدام اللقب الإضافي في جميع مراسلاتها الداخلية والخارجية.
ورغم ادعاء ترامب بإمكان تطبيق هذا التغيير من دون موافقة الكونغرس، يؤكد خبراء دستوريون أميركيون أن التعديل في تسمية رسمية لوزارة اتحادية "يتطلب إجراء تشريعياً". وقد قدم أعضاء جمهوريون في الكونغرس بالفعل مشروع قانون لإقرار تعديل ترامب بشكل نهائي، ويقود كل من السيناتور مايك لي عن ولاية يوتا، والسيناتور غريغ ستوبي عن ولاية فلوريدا الجهود الرامية إلى تحقيق رغبة الرئيس.
يدخل تغيير اسم البنتاغون من ضمن حملة ترامب لإعادة تشكيل صورة الحكومة الفيدرالية الأميركية، والتي تشمل تغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا"، وإعادة تسمية القواعد العسكرية بأسمائها الأصلية، وإلغاء مبادرات التسمية المتعلقة بالتنوع التي سادت عهد بايدن. تواكب هذه الإجراءات تركيز ترامب على تعزيز القوة العسكرية، وتبني إدارته مواقف عسكرية "أشد عدوانية".
عودة إلى الأصل
أيد وزير الدفاع تعديل رئيسه بشدة، فسارع إلى تحديث بياناته على مواقع التواصل الاجتماعي ليصير "وزير الحرب"، وإلى تحويل الموقع الإلكتروني لوزارته من (Defense.gov) إلى (War.gov)، وإلى استبدال لافتات "وزارة الدفاع" في مكتبه بأخرى مكتوب عليها "مكتب وزير الحرب". ووصف التعديل بأنه يُحيي روح "المقاتل" في الجيش، ويقول: "لا ننسى أن الولايات المتحدة حققت النصر في الحربين العالميتين تحت اسم وزارة الحرب".
صحيح... ففي الأصل، عملت "وزارة الحرب" الأميركية بين عامي 1789 و1947، حتى قرر الرئيس الأسبق هاري ترومان إعادة هيكلتها لتكون وزارةً للدفاع بموجب قانون الأمن القومي (1947). يقول ديفيد سانغر في "نيويورك تايمز": "عندما وقع ترومان قانون إنشاء وزارة الدفاع على أنقاض وزارة الحرب في آب/أغسطس 1949 ، تم ذلك قبل 16 يوماً من إثبات جوزف ستالين قدرة السوفيات على تفجير قنبلة نووية، وقبل شهرين من إعلان ماو تسي تونغ عن قيام جمهورية الصين الشعبية"، مضيفاً: "كان زمن رعب للأميركيين، وكان الغرض من إطلاق الاسم الجديد على الوزارة أن يعبّر عن حقبة زمنية كان مفهوم الردع فيها أمراً غاية في الأهمية، لأن الحرب - إذا اندلعت بين القوى العظمى - فيمكن أن تُنهي كوكب الأرض".
لعقود عدة، بدت احتمالات تجنّب التناحر النووي بين القوى العظمى، ضئيلةً في أحسن الأحوال. وبالنسبة إلى مؤرخين كثيرين، أعظم إنجاز حققته الحرب الباردة هو بقاؤها باردة، رغم الحرب في كوريا وفيتنام، ورغم أزمة الصواريخ الكوبية، ورغم سباق التسلح، ورغم الصراع الشرس بين الجبارين الأميركي والسوفياتي في الشرق الأوسط والذي ترجم حروباً مستمرة بين العرب وإسرائيل.
يرى جمهوريون مؤيدون للأمر التنفيذي الرئاسي أنه يعكس "بشكل أفضل" القدرات العسكرية الأميركية، ويُضفي هالة من القوة على الجيش في نظر خصومه، ويقول السيناتور ريك سكوت إن الجيش الأميركي "ليس قوة دفاعية فحسب، إنما هو أقوى قوة قتالية في العالم". أما الديموقراطيون فانتقدوا الأمر التنفيذي ووصفوه بأنه "إجراء سياسي مكلف لا قيمة له". وكتب السيناتور مارك كيلي، الضابط السابق في سلاح الجو البحري: "لا يرغب في تعديل اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب إلا من تجنب الخدمة العسكرية".
في أوساط وزارة الدفاع نفسها، أتت ردات الفعل متباينة: أعرب مسؤولون عن استيائهم من هذا "التغيير الرمزي فيما تبقى المشاكل العسكرية الجوهرية قائمة". ورأى خبراء سياسات الدفاع، مثل كوري شاك من "معهد إنتربرايز الأميركي"، أن "منح إقرار الميزانية في موعدها الأولوية، وإصلاح أنظمة التموين، وعدم إهدار خبرات العقود الماضية في القتال يساهم في تعزيز قدرات الوزارة بشكل أفضل من مثل هذه الإجراءات الشكلية".
تعديل مكلف جداً
وتساءلت السيناتورة تامي داكوارت عن جدوى إنفاق الأموال على هذا التعديل "بدلاً من دعم أسر العسكريين أو توظيف ديبلوماسيين للمساهمة في حل النزاعات في العالم"، مثيرةً بذلك مخاوف كبيرة بشأن التكلفة الفعلية التي سيفرضها التعديل، مثل تحديث وكالات "البنتاغون"، والقواعد العسكرية العالمية، والقرطاسية، والشعارات، واللافتات، والمواقع الإلكترونية، والزي العسكري المستخدم في جميع أنحاء العالم. وبحسب "بوليتيكو"، قد يحتاج المسؤولون إلى تغيير أختام وزارة الدفاع في أكثر من 700,000 منشأة في 40 دولة وفي الولايات الخمسين. وهذا يشمل كل شيء، ابتداءً بترويسة لستة فروع عسكرية وعشرات الوكالات الأخرى، وانتهاءً بالمناديل المنقوشة في قاعات الطعام، والسترات المطرزة للمسؤولين المعتمدين من مجلس الشيوخ وسلاسل المفاتيح في متجر البنتاغون.
عندما سُئل ترامب عن هذه الأكلاف، تجاهلها قائلاً: "نعرف كيف نعدل الاسم من دون إرهاق الخزينة". لكن، على سبيل المقارنة، أنفقت إدارة الرئيس السابق جو بايدن 39 مليون دولار لتعديل تسمية 9 قواعد عسكرية تكريماً لقادة الكونفيدرالية، فيما تقدر لجنة تسمية الكونفيدرالية الأوسع الأكلاف بنحو 62,5 مليون دولار. ومنتظر أن يقدم البنتاغون تقديرات مفصلة لتسمية "وزارة الحرب".
ختاماً، يرى رون بول، عضو الكونغرس الجمهوري السابق المعادي للحرب، أن إعادة وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، كما بدأت، "قد لا تكون فكرة سيئة، ما دمنا صادقين بشأن باقي المصطلحات المتعلقة بصناعة الحرب عندنا"، مؤكداً أن هذا التعديل يمكن أن يشدّ الانتباه إلى الطريقة القانونية - الدستورية لشن الحرب أو الانخراط فيها، "فالاستمرار في تسميتها وزارة دفاع هو مجرد تمثيلية".