مسلسل حروب ترامب وماسك… اللكمات الآن على الخاصرة الرخوة

لم ينتظر الجمهور طويلاً قبل عرض الحلقة الجديدة من مسلسل دونالد ترامب وإيلون ماسك.
رجل الأعمال الذي لعب دور "منقذ" أميركا من الهدر والفساد والبيروقراطية، راعه أن يصوّت الشيوخ الجمهوريون بالموافقة على مشروع قانون الضرائب والإنفاق الموحد الذي ينسف "إنقاذه" الولايات المتحدة في الأشهر الأولى من حكم ترامب، حين عصفت وكالة الكفاءة الحكومية بالجهاز الفيدرالي وتطاير عشرات آلاف الموظفين والبرامج الحكومية المتنوعة وأغلقت وكالات مستمرة منذ عقود.
القانون "الجميل" كما يراه عرّابه دونالد ترامب، يخفف أعباء ضريبية على الأميركيين، ويلغي الضريبة على الإكراميات وعلى ساعات العمل الإضافية. لكنه يسحب الدعم عن قطاعات صحية أساسية مثل النظام الصحي المدعوم حكومياً "Medicaid" و"SNAP" (نظام مساعدات غذائية) بينما يسخو على البرامج المتعلقة بمسائل الهجرة والجدار الحدودي العتيد مع المكسيك.
الملياردير يرى أن القانون يركل سطل الحليب الذي وفّره على أميركا، وأنه سيزيد العجز العام. يختلف في هذا مع ترامب، وفي الأصل كان هذا سبب خلافه مع إدارته ووصوله إلى التعارك بالأيدي مع وزير الخزانة سكوت بيسنت، ومن ثم خروجه مكرّماً من البيت الأبيض.
وكما في المواجهة الأولى التي اشتعلت بسرعة دراماتيكية قبل أن تخمد بالسرعة نفسها، اندلعت الجولة الثانية مع ترامب وتطورت إلى عراك يتخطى مشروع القانون نفسه، إلى تسديد كل لاعب اللكمات على الخاصرة الرخوة لخصمه.
ماسك حذّر الحزب الجمهوري من الخسارة في الانتخابات النصفية السنة المقبلة، مبطناً تهديداً سبق أن ألمح إليه بأنه قد يدعم خصوم المرشحين الجمهوريين المحتملين. وإذا كان تهديده لترامب بالأكثرية التي يضمّها تحت جناحيه في الكونغرس، فقد زاده ماسك من الشعر بيتاً إذ قال إنه ينوي إطلاق حزب ثالث ليكون للأميركيين "صوت" آخر غير ثنائية الجمهوريين والديموقراطيين.
حلما ماسك هذان هما كابوسا ترامب. فهو يهدد الرئيس أولاً في أكثريته وثانياً في زعامته "العصامية" التي بناها بمجهوده الفردي في الشعبوية وليس من خلال المؤسسة السياسية التقليدية الراسخة عند الحزبين. هذا الاقتحام لماسك العنيد الذي يصرّ على تحقيق أحلامه ولو بطرق كارثية أحياناً، جعل الرئيس الأميركي يهدد في المقابل بورقة الجنسية الأميركية التي اكتسبها ماسك الجنوب الأفريقي الأصل. وسحب الجنسية ممكن نظرياً بناء على مجموعة من الشروط تعمل بمفعول رجعي، وإذا ما وجدت ظروف ما لنبش ماضي إيلون ماسك، فمن السهولة طرح أسئلة بشأن قانونية ملف الهجرة خاصته، على الأقل لجعله يصاب بوجع رأس. تهديد ترامب بترحيل الجنوب أفريقي الأبيض جاء للمفارقة، بعد حملة شنها الرئيس على جنوب أفريقيا متهماً السلطات بمجازر ضد البيض وفتح باب اللجوء لهم. هذا حين كانا صديقين. الآن يتواجهان بالحديد والنار، فيهدده ترامب بالترحيل، وبإيقاف العقود الحكومية مع شركاته وعلى رأسها شركة "سبيس إكس" الفضائية التي يسوق لها ماسك بأنها المنقذة لوكالة ناسا، كما أنها الوسيلة الوحيدة لأول خطوة بشرية أميركية على سطح المريخ.
التراشق المتبادل بين الرجلين الأكثر تأثيراً في أميركا، يتم أساساً عبر منصتيهما الاجتماعيتين، "إكس" و"تروث سوشال". أحدث شكل للحروب وأشدها عصرية، تدور بين مدمني جذب اهتمام وأضواء وسوشال ميديا. تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد بعلوم ثانية عديدة منها علما النفس والاجتماع. وهي مفتوحة على كل الاحتمالات لأن الطرفين لا يريان أي سلاح محرّماً. كما أن لكليهما نقاط ضعف وقوة، تماماً كما في كل شخصيات ألعاب بلايستايشن. لذا، فالإثارة والتشويق مستمران، خاصة أن النهاية، أو النهايات، غير متوقعة، وهي الوصفة المثلى لأحلى مسلسلات "نتفليكس" وأكثرها نجاحاً.