دراما دونالد وإيلون الأميركية… قصة شغف معلن وانفصال عاصف
كأي قصة حب نموذجية، بدأت العلاقة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك بشغف هائل. الرصاصة التي حفت بأذن ترامب أشعلت الحب في قلب ماسك، فتقدم نحوه مغرقاً خلفه كل مراكبه، أو على الأقل تلك التي تتعلق برافضي ترامب، وأعلن دعماً وحباً غير مشروطين للشخص الذي لا أنصاف حلول في العلاقة معه عادة، يأتي في حزمة كليّة، فإما أن تقبل به كما هو، وإما أن ترفضه تماماً.
هذا الشغف الذي اشتعل بينهما، كان يحمل في طياته بذور النهاية المتوقعة. بسبب حماستهما الزائدة، أحرقا مراحل بطيئة لبناء علاقة متينة بين رجلين من جيلين شديدي الاختلاف، قد لا يتفقان على هواية واحدة، لكنهما يتنافسان في حجم الإيغو والقناعة التامة لدى كل منهما أنه الوحيد القادر على حل "المشكلة"، مهما كانت هذه المشكلة.
في سيرتيهما الذاتيين الكثير مما يبرر هذا الإيغو. الأول يتباهى بشخصية قوية ودهاء وذكاء هائلين يجعلانه في كل مرة يبدو أنه وقع ولن تكون له قائمة، يعود أقوى مما كان. ثم أنه بات زعيماً سياسياً مكرساً بأدوات القرن الماضي وجيل البومرز الذي ينتمي إليه، لا يقر بخطأ ولا يعتذر ولا يهزم، وغالباً ما يأخذ حقه بقبضته ولا يرحم خصمه.
الثاني لا يقل اعتداداً بنفسه، ليس بملياراته التي تبدو معه شأناً ثانوياً أمام أفكاره "العظيمة" والغريبة والتي، مع ذلك، يحققها الواحدة تلو الأخرى، مع منظومة آراء سياسية وثقافية شديدة الفجاجة في وضوحها، ويفخر بأنها كذلك، من دون أن يعير اهتماماً لأي اتهامات بالرهاب أو العنصرية أو حتى الأوليغارشية، يمضي وقته في ممارسة لعبة القط والفأر مع الخط الأحمر الذي تفرضه الصوابية السياسية، يدافع عن رأيه حتى اللحظة الأخيرة، ويتحايل في شرح قصده، ويمكنه ببساطة، حين يرى أنه ذهب بعيداً، أن يقول إنه كان يمزح، أو ببساطة أيضاً، يمحو منشوره على منصته، كأن شيئاً لم يكن.

هكذا فعل بعد الهجوم العنيف الذي شنه في الأيام الأخيرة على ترامب. بدا الأخير لمرة وحيدة رصيناً أمام تهديدات من نوع أن اسمه مذكور في ملفات السيئ الذكر جيفري ابستين الذي انتحر في السجن مشتبهاً به بقضايا اغتصاب قاصرات أو تسهيل اغتصابهن من أصدقائه النافذين. ترامب في المقابل قال إن ماسك غاضب لأنه أبعده عن دائرته الضيقة، وهدده بعواقب وخيمة إذا دعم مرشحي الحزب الديموقراطي ضد منافسيهم الجمهوريين، كما أنه عرض التسلا الحمراء المركونة في حدائق البيت الأحمر للبيع. هذه السيارة التي اشتراها من ماله الخاص دعماً للشركة التي يملكها ماسك بعد الهجوم العنيف على كل ما تمثل وصل إلى إحراق سيارات منها في عدد من المعارض.
رداً على سؤال حول ما إذا كان مستعداً لمصالحة ماسك، أجاب ترامب بلا نافية، لأن إيلون لا يحترم مقام الرئاسة الأميركية. بدا ترامب مكسور الخاطر من تصرفات صديق عزيز لم يعد يخرج من كادر الصور التي تلتقط للرئيس بعد فوزه بالانتخابات وصولاً إلى آذار (مارس). حتى أن طفل ماسك، "إكس"، بات صديقاً مقرباً من الرئيس يرافقه في المروحية الرئاسية ويمتطي ظهر أبيه في المكتب البيضوي ويقاطع الرئيس في مؤتمراته الصحافية. هذه الصداقة المتينة، والدعم الكامل من ترامب لماسك، جعلا الإعلام "المغرض" يسوّق لنظريات مؤامرة سائلاً عن الحاكم الفعلي للبلاد، وواضعاً ماسك في كرسي الرئيس وخلافه مما قض مضجع ترامب الذي يفضل أن يكون النجم الذي لا نجم غيره.
ومع أن ترامب لم ينزلق إلى التخوف من إيلون ماسك، إلا أن مساعديه الكبار راحوا يضيقون ذرعاً بهذا المشاغب الذي كان يتعامل معهم بصفته الآمر الناهي، لأنه مفوض من رئيس البلاد شخصياً بإنقاذها من الإهدار والفساد والبيروقراطية القاتلة. ترامب، وبعدما أعطى أوامره بالتعاون الكامل مع وكالة الكفاءة الحكومية التي يديرها ماسك، راح يسحب منها هذه الصلاحيات الشفوية شيئاً فشيئاً، إلى أن عدل عن رأيه بتعيين أحد مرشحي ماسك إلى منصب حساس واستبدله بآخر، ثم عاد ليعين مسؤولاً على "ناسا" غير الذي يريده ماسك أيضاً. هكذا، وجد الملياردير نفسه خارج البيت الأبيض لكن بكل احترام، في مؤتمر صحافي مشترك شكره فيه ترامب ومدحه كما عادته.
لكن ماسك لا يجيد هذا النوع السلس من النهايات، أو على الأقل لا يحبذه. الملياردير المفتون بلعبة الميديا كان عليه أن يشن حرباً شعواء من منصته على ترامب ومشروع الانفاق والضرائب وصولاً إلي التمنين بأنه كان سبب فوز ترامب بالانتخابات. ولأن المنازلة اندلعت بين نافذين بحجم ترامب وماسك، انهار سهم تسلا وتخلخل سوق البورصة بأكمله، خصوصاً أن ماسك تنبأ بركود اقتصادي مقبل بسبب المشروع وسيزيد العجز الفيديرالي إلى نحو 2,5 تريليون دولار. هكذا، قبل يومين من عطلة الأسبوع الفائت، تبخرت 150 مليار من تسلا وحدها، كما انخفضت مؤشرات وول ستريت الرئيسية بنسب لم تشهدها السوق منذ جائحة كوفيد. كل هذا بينما الكوكب يتمدد على الكنبة مستمتعاً بالفرجة على هذه الحلقة الجديدة من المسلسل المستمر منذ أشهر، وقد وصل في الحبكة إلى الذروة بينما العاشقان ينفصلان بأكثر الطرق الدرامية تشويقاً: بالصراخ والاتهامات بالفضائح والتهديدات، واليقين الذي لا عودة عنه أن كل شيء انتهى، وأن كل واحد منهما سيذهب في طريق.
هل كانت هذه الحلقة الأخيرة حقاً؟ لا تاريخ ترامب يوحي أنه يسكت عن إهانة أو ينساها، ولا تاريخ ماسك يبشر بأنه فجأة سيصير رصيناً وموزوناً، في العلن على الأقل. لا شك في أن الانتظار لن يطول قبل أن يطلقا الجزء الثاني من مسلسلهما المسلي والمليء بالتشويق والإثارة.
نبض