خطة ترامب للسلام… تفتح شهية بوتين على الفودكا

"إنهم الآن يشربون الفودكا مباشرة من القناني في الكرملين"، قال جون بولتون في مقابلة مع "سي إن إن"، تعليقاً على الاتصال الهاتفي الذي دام تسعين دقيقة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
شهادة بولتون برئيس بلده الحالي ورب عمله السابق مجروحة بالطبع. علاقاتهما التي استمرت وجيزاً في الفترة الأولى انتهت بخروج مستشار الأمن القومي مهرولاً من البيت الأبيض، عدواً لدوداً لترامب ومتحدثاً مفوهاً ضده.
لكن مجمل المحللين السياسيين الأميركيين، وحتى الروس الموالين لبوتين، لم يذهبوا بعيداً عن استنتاج بولتون في أن "ترامب قدم للكرملين هدايا الفصح والميلاد ورأس السنة ملفوفة بورقة واحدة"، بحسب وصف "فورين بوليسي".
ترامب كان جازماً خلال الأشهر السابقة لفوزه بالرئاسة أنه سينهي الحرب الروسية الأوكرانية في الساعات الأربع والعشرين الأولى من عودته إلى البيت الأبيض. كيف؟ لم يوضح في حينها. فقط كان يشير إلى قدراته الشخصية المبهرة في التواصل مع الزعماء، ومهاراته المشهودة في عقد الصفقات، وإصراره الدائم أن هذه الحرب لم تكن لتقع لو أن جو بايدن لم يسرق البيت الأبيض منه.
لم تنته الحرب في اليوم الأول من ولاية ترامب. الطرفان منهكان وعاجزان عن حسمها. لكن ترامب المستعجل لإنهاء هذه الحرب كيفما اتفق حمل اتصاله ببوتين أخباراً سيئة للرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي. فترامب اتفق وبوتين على أن تكون المفاوضات ثنائية بين البلدين، من دون الطرف المحارب، ولا الاتحاد الأوروبي الذي يرى في أوكرانيا السد الأخير أمام جموح بوتين. مفاوضات من دون شروط مسبقة حسم فيها ترامب من البداية أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو، وأنه يمكنها أن تتنازل عن السيادة على أراضيها التي احتلتها روسيا، إضافة إلى رفع العقوبات عن روسيا في حال تم التوصل إلى سلام.
فك العزلة الغربية عن روسيا الذي بدأ بالاتصال وبالاتفاق على اللقاء وتبادل الزيارات بين الرئيسين، تابعه ترامب بتغيير مقاربة الحرب نفسها واتهام أوكرانيا بالتسبب بغزو روسيا لها. كما أنه تبنى الحجة الروسية بالتلميح بأن السلطات الأوكرانية لا تمثل بلدها أولاً بسبب غياب الانتخابات وثانياً بسبب هبوط شعبية زيلنسكي عند مواطنيه.
كوري شاكي، الباحثة التي عملت مساعدة للرئيس السابق جورج دبليو بوش في مسائل الأمن القومي، تقول لصحيفة نيويورك تايمز أن ما يفعله ترامب "يعتبر تحولاً عكسياً مشيناً لثمانين سنة للسياسة الأميركية الخارجية. نحن الآن نشرّع عدواناً حتى نخلق مجالاً تأثير".
إصرار ترامب على استراتيجية الجزرة من دون التلويح بالعصا لروسيا، بدت أوراقاً كسبها الكرملين قبل أن يبدأ باللعب حتى. مكاسب أثارت قلقاً بالغاً لدى زيلنسكي الذي انتقد لقاء وفدي أميركا وروسيا في الرياض من دون دعوته، للتباحث في شأن بلده نفسها. هذا القلق الذي انسحب على الاتحاد الأوروبي من ترامب "اللامتوقع" يلقي بظلاله على المحللين الروس الذين كبحوا بهجتهم بالتخوف من لحظة غضب ترامبية ينسف فيها كل وعوده للروس بتغريدة على منصته للتواصل الاجتماعي، في حال تعقدت المفاوضات التي يبدو أن روسيا شديدة الحرص على ألا تكون البادئ في عرقلتها، بخاصة وأن تسلسل الأحداث يكاد يكون بالنسبة لها جيد إلى درجة تجعلها تجلعها تشك بأنه حقيقي.
الحقيقي الوحيد هو أن ترامب مستعجل لعقد "صفقة" وليس اتفاقاً لإحلال السلام بين البلدين، لا هم ما إذا فرض شروطه على أوكرانيا التي تراها مجحفة، أو عوّم فلاديمير بوتين اقتصادياً، وحقق له فرصة بالخروج من المستنقع الإوكراني، ليس بزقل أضرار ممكنة، بل، وعلى العكس، بمكاسب يمكن أن يدعي بعدها أنه خرج بها من الحرب منتصراً أوحد.
أما ترامب، فعينه على الفرص الاقتصادية التي تلوح لبلده في روسيا وعلى المعادن الأوكرانية الثمينة، وعلى صورته الأحب إلى قلبه، متوسطاً طرفين متحاربين يوقعان اتفاق سلام كان هو نفسه السبب الأول والأخير في تحققه.