أوجلان والحكم المحلي: ملفات كردية وسورية تنتظر الحل
أثار نشرُ ملخّصٍ محضر الزيارة البرلمانية لزعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون في جزيرة إمرالي عبد الله أوجلان جدلاً في تركيا حيال مطالب الإدارة الذاتية باللامركزية السياسية في شمال سوريا وشرقها، في مقابل رفض كلٍّ من أنقرة ودمشق للمقترح.
دعم الوحدة السورية مع ضمان الحكم المحلي
أكّد أوجلان، وفق ملخّص محضر الزيارة التي قام بها برلمانيون من حزبي الائتلاف الحاكم (العدالة والتنمية والحركة القومية) إلى جانب حزب "ديم" الموالي للأكراد، أنه يدعم البنية الوحدوية لسوريا، مضيفاً أن المناطق التي يديرها الأكراد يجب أن تمارس سلطة ديموقراطية محلية مع وجود شرطة مدنية خاصة بها.
في المقابل، عارض حزب "ديم" إلى جانب "حزب الشعب الجمهوري" الاكتفاءَ بنشر ملخّص للمحضر، مطالبين بنشر النص الكامل بحجة أن ذلك ضروري لتوفير السياق المناسب وفهم شامل لتصريحات أوجلان. وقال حزب "ديم"، في بيان عقب نشر الملخّص الرسمي، إن النص فشل في تقديم فهم دقيق وشامل لمواقف أوجلان، مضيفاً أن "الجُمل المقتطعة من سياقها، والتأكيدات الانتقائية، والاقتباسات غير المكتملة، تفتح الباب أمام تكهّنات عدة".
اكتفت الوثيقة التي تلخّص مواقف أوجلان بالإشارة إلى دعمه دولة سورية موحّدة مع إدارة ديموقراطية محلية، من دون تفاصيل إضافية عن ماهية تحقيق ذلك وطريقته. وقد فُهمت كلماته على أنها إشارة إلى حكم ذاتي محلي محدود، بحيث تُتّخذ القرارات المتعلقة بالحكم والإدارة من مسؤولين أكراد على المستوى المحلي، مع وجود وحدات أمنية مدنية "شبيهة بالشرطة"، من دون الإشارة إلى مصير "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، الشريك الأميركي في محاربة الإرهاب في سوريا.
لكن ممثّلة "ديم" في الزيارة كانت قد كشفت سابقاً عن تأكيد أوجلان أن حلّ "قسد" لا يمكن أن يتم إلا "بعد تحوّل سوريا إلى المسار الديموقراطي".
وجاء لقاء البرلمانيين الأتراك في سياق مسار السلام الجاري والهادف إلى حلّ القضية الكردية بعد عقود من الصراع في تركيا، بعدما أعلن "حزب العمال الكردستاني" في أيار/ مايو أنه سيحلّ نفسه وينزع سلاحه استجابةً لدعوة قائده. وبالتوازي مع مسار السلام الداخلي، تتطلّع أنقرة إلى أن يؤثّر أوجلان، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبّد في الجزيرة الواقعة قبالة سواحل إسطنبول منذ عام 1999، على "قسد" ذات القيادة الكردية لدفعها إلى الاندماج في الجيش السوري وحلّ نفسها في نهاية المطاف، باعتبار أن هذه القوات تُعدّ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو ما تعتبره الحكومة التركية خطوة ضرورية لنجاح محادثات السلام الداخلية.
في المقابل، تُصرّ "قسد" على الاحتفاظ ببنيتها التنظيمية خوفاً من أن التخلّي عن الحكم الذاتي قد يعرّض مناطقها لهجمات من ميليشيات متحالفة مع حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع. وخلال الاجتماع، طُلب من أوجلان أيضاً إصدار بيان جديد يدعو فيه "قسد" إلى الالتزام باتفاق 10 آذار/مارس، وفق الملخّص، إلا أنه أصرّ على إمكان إصدار تعليمات منفصلة لكل منطقة بعد اتخاذ خطوات إيجابية في مسار السلام الداخلي، إذ تطالب الحركة السياسية الكردية في تركيا بالاعتراف الدستوري بالأكراد، والإفراج عن مئات السياسيين والنشطاء الأكراد من السجون، وتقديم ضمانات لحرية عناصر "حزب العمال الكردستاني".
ورداً على سؤال حيال علاقته بقائد "قسد" مظلوم عبدي، وصفه أوجلان بأنه حليف قريب وموثوق، وفقاً للملخّص، كما حذّر من التحركات الإسرائيلية في سوريا، في إشارة إلى الدعم العلني الذي عبّر عنه مسؤولون إسرائيليون لـ"قسد".

ملفات جوهرية تنتظر الحل
ورأى تحالفُ السلطة في مضمون ملخّص محضر اللقاء فرصةً لتأكيد رؤيته، محتفظاً بخطابه السلطوي، فيما تبنّت المعارضة، ولاسيما منها الأحزاب القومية، لهجةً نقدية ركّزت على الثوابت الوطنية والأمنية.
وأكد زعيم "حزب الحركة القومية التركية" دولت بهتشلي، خلال كلمة ألقاها السبت في حفل تسليم شهادات مدرسة السياسة والقيادة التابعة لحزبه في أنقرة، أن الرسائل الصادرة عن أوجلان "معقولة، إيجابية، موثوقة ومحددة"، مشيراً إلى أن العملية السياسية نحو تركيا خالية من الإرهاب تسير خطوة بخطوة رغم بعض الاستفزازات.
وقال بهتشلي إن "الفرصة التاريخية التي نحظى بها اليوم لا يمكن أن نفوّتها أو نضيّعها".
في الضفة الأخرى، أكد المتحدث باسم "الاتحاد الديموقراطي الكردي" زاغروس هيفا أن ما تسمّى "المفاوضات" بين "حزب العمال الكردستاني" والدولة التركية لم تنطلق فعلياً بعد، مشدداً على أن أي خطوات فعلية من أنقرة ضرورية قبل اعتبار العملية في إطار السلام.
وفي تصريحات لوكالة DW التركية، أوضح هيفا أن الدعوات أو التصريحات الرسمية التي تُروَّج على أنها تمهّد لمسار السلام، تمثّل "وعوداً شفوية" وليست خطوات ملموسة، مؤكداً أن إطلاق أوجلان وضمان شروط تفاوض متكافئة يشكّلان شرطاً أساسياً لأي مفاوضات حقيقية.
وشهد عام 2025 خطوات رمزية نحو إنهاء الصراع، أبرزها إعلان الحزب وقف الكفاح المسلح وسحب عناصره المسلحة من داخل تركيا، إضافة إلى تشكيل البرلمان التركي لجنة لمتابعة مسار حلّ الأزمة، في محاولة لإيجاد إطار قانوني وسياسي لإنهاء النزاع الطويل.
لكن موقف "الاتحاد الديموقراطي الكردي" الحالي يُظهر أن هذه الإجراءات — رغم رمزيتها — لا تُعدّ مفاوضات حقيقية، لأن القضايا الجوهرية، ومنها وضع أوجلان والاعتراف الدستوري بحقوق الأكراد، لم تُحلّ بعد، ما يعني أن تصريحات الحزب القومي والتحركات البرلمانية دفعت الحركة الكردية إلى صوغ موقف يحمي شروطها قبل أي التزام.
الورقة الكردية بين أنقرة ودمشق وواشنطن
في المقلب السوري، طالب وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، السبت، بإخراج العناصر غير السورية من صفوف "قسد"، زاعماً أن تلك العناصر القادمة من دول الجوار تشكّل تهديداً لبلاده.
تصريحات فيدان الأخيرة لا تمثّل موقفاً ديبلوماسياً فحسب، وإنما هي جزء من استراتيجية تركية متكاملة لإعادة رسم قواعد اللعبة في شمال سوريا وشرقها، ويمكن النظر إليها كشرط سيادي مسبق لأي تسوية بين دمشق و"قسد"، مع نزع صفة الشريك المحلي عن "قسد"، وإعادة تصويرها امتداداً أمنياً لـ"حزب العمال الكردستاني" داخل سوريا، بهدف تأسيس الشرعية لأي تحرك عسكري جديد في حال فشل المسارات السياسية.
يهدف فيدان إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الولايات المتحدة التي توفّر غطاءً سياسياً وعسكرياً لـ"قسد"، ودفع دمشق نحو قبول صيغة تركية للحل بدلاً من الصيغة الأميركية، في ظل افتقاد دمشق القدرة العسكرية الكافية من دون غطاء سياسي أو تفاهم إقليمي لإقصاء "قسد" عن الخريطة السياسية السورية، لتظل القوات التي يقودها الأكراد ورقة تفاوض ثلاثية بين أنقرة ودمشق وواشنطن، ما يجعل من الملف خاضعاً لتشابكات محلية وإقليمية قد تُسرّع أو تُبطئ أي تقدّم في مسيرة السلام في تركيا، وبالتالي الحلّ في سوريا.
نبض