العفو عن نتنياهو: أزمة استقلال القضاء في مواجهة ضغوط ترامب
تتفاعل الأزمة القانونية والسياسية في إسرائيل حول مسألة العفو عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتهم في قضايا فساد، حيث تتجه الأنظار إلى قرار الرئيس إسحاق هرتسوغ.
هذا الملف يضع استقلال القضاء الإسرائيلي على المحك في مواجهة ضغوط دولية غير مسبوقة، أبرزها تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي طالب علناً منح نتنياهو العفو.
اشتراط الرئيس هرتسوغ تقديم نتنياهو طلباً رسمياً اعتُبر ضمناً قبولاً بالإجراءات القانونية، الأمر الذي يتعارض مع إصرار نتنياهو على براءته المطلقة ورفضه تهم الفساد.
ويُنظر إلى ضغط ترامب على أنه تهديد لسيادة القانون الإسرائيلي، ما يضع هرتسوغ في موقع حرج بين الحفاظ على مبدأ المساءلة وتجنب التداعيات السياسية الدولية.
صلاحيات العفو بين الرئيس والمستشار القضائي: أزمة قانونية غير مسبوقة
يشير الباحث في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد إلى أن صلاحية العفو الممنوحة للرئيس الإسرائيلي هرتسوغ ليست مطلقة في حالة رئيس الوزراء نتنياهو. فعلى الرغم من أن الرئيس يمتلك صلاحية الإعفاء، فإن إتمام هذا القرار يتطلب موافقة جهات قضائية عليا، هي:
موافقة وزير العدل: يُرجّح شديد أن موافقة وزير العدل ستكون مضمونة، نظراً إلى كونه جزءاً من الائتلاف اليميني الذي يتزعمه نتنياهو.
موافقة المستشار القانوني للحكومة والنائب العام: الأهم هو الحاجة إلى موافقة المستشار القانوني للحكومة (المستشارة القضائية للحكومة) والنائب العام في إسرائيل.
ويُقدّر شديد أن منح هذا العفو، حال إتمامه، سيكون الجهاز القضائي هو الضحية الأولى. ويعود ذلك لسبب غير مسبوق في تاريخ القضاء الإسرائيلي، وهو:
أولاً: تقديم طلب منح العفو عن شخص يخضع للتحقيق والاستجواب قبل البتّ في القضايا، بينما العادة الساحقة في طلبات العفو تكون بعد الانتهاء من التحقيق والاعتراف والإدانة، بل حتى بعد قضاء عقوبة السجن. أن يكون الشخص مقدم الطلب أثناء التحقيق يشكّل أزمة جديدة وعميقة تضرب الجهاز القضائي في إسرائيل.
ثانياً: الجهاز القضائي يتعرض بالفعل لمحاولة سيطرة من قبل اليمين في إسرائيل، الذي يرى أنه بما أنه منتخب فمن حقه السيطرة على القضاء وإجراء تغييرات جوهرية في القوانين.
/AP22363387990539.jpg)
عوائق أمام المستشارة القضائية
وبخصوص موقف المستشارة القضائية للحكومة، يرى شديد من الناحية القانونية الصرفة أنه لا يمكن للمستشارة القضائية أن تقبل الطلب طالما أن نتنياهو لم يعترف أصلاً بالتهم، ولم يبدِ ما يسمّى بالندم حول المخالفات المنسوبة إليه.
يضاف إلى ذلك أن نتنياهو لا يريد اعتزال العمل السياسي بل يريد العودة إليه، وهو ما يتناقض مع أي مبادرة عفو قد تتطلب ابتعاده عن المشهد.
يرفض الباحث شديد طرح نتنياهو القائل بأن العفو قد يهدف إلى توحيد المجتمع الإسرائيلي لسبب بسيط هو أن نتنياهو جزء من المشكلة في إسرائيل، ويشكّل حالة خلافية. وغياب نتنياهو عن الساحة السياسية قد يخفف من حدة التوترات الداخلية ولا ينهيها، أما بخصوص العفو، فبالتأكيد لن يؤدي إلى التوحيد.
وقد جاءت ردود الفعل الحالية لخصوم نتنياهو، مثل زعيم حزب ييش عتيد (يايير لابيد) وغيره من الكتل المعارضة، مؤكدة على أنه "لا يحق لرئيس الدولة منح هذا العفو، ويجب على نتنياهو أولاً أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، وأن يبدي الندم، ويقدّم اعتذاراً للمجتمع الإسرائيلي، والأهم: أن يعتزل الحياة السياسية، بدلاً من تقديم الطلب والانتظار".
والنتيجة المتوقعة لقرار هرتسوغ ستقرر ليس فقط مستقبل نتنياهو السياسي، بل ستحدد أيضاً حدود استقلالية النظام القضائي الإسرائيلي أمام النفوذ السياسي المحلي.
نبض