جامعة هارفارد تحفظ أرشيف إسرائيل... تحسّباً لزوالها من الوجود!

اسرائيليات 17-11-2025 | 10:23

جامعة هارفارد تحفظ أرشيف إسرائيل... تحسّباً لزوالها من الوجود!

تعترف "هآرتس" بأن التزام هارفارد بالمواد الإسرائيلية واليهودية استثنائي. فوفقًا لأمينة المكتبة المساعدة إليزابيث كيرك، بين 5 و7% من مجموعة هارفارد الضخمة
جامعة هارفارد تحفظ أرشيف إسرائيل... تحسّباً لزوالها من الوجود!
مكتبة هارفارد. (أ ف ب)
Smaller Bigger

"في موقع سري في هارفارد، يُحفظ أرشيف ضخم لإسرائيل، تحسباً لزوالها". هكذا تقول "هآرتس" العبرية، في روايتها عن استشراف لمستقبل إسرائيل بدأته جامعة هارفرد الأميركية العريقة في ستينيات القرن الماضي، "ويكمن في جوهرها سؤالٌ عميقٌ حول البقاء والذاكرة ومسؤولية توثيق تجربة أمة كاملة قبل أن تختفي من الوجود".

 

تبدأ الصحيفة الإسرائيلية السرد بحكاية شخصية من عام 1988، حين زارت داليا موران، مديرة أرشيف حركة "هاشومير هتسعير"، مكتبة هاري إلكينز وايدنر التذكارية في هارفارد للقاء الدكتور تشارلز برلين، أمين المكتبة وصاحب رؤيةٍ ثاقبة، للشروع في مهمةٍ غير تقليدية: توثيق السجل الكامل لإسرائيل في مخبأ محصّنٍ في كامبريدج، ماساتشوستس. تجاوز مشروع برلين العمل الأرشيفي التقليدي، إذ لم يقتصر على جمع الوثائق التاريخية المهمة وحدها، بل سعى أيضًا إلى جمع "بقايا" الحياة اليومية الإسرائيلية الزائلة: كتيبات وملصقات وإعلانات ونشرات سياسية، وموادّ قد يراها آخرون مجرّد خردة لا قيمة لها. كانت الفلسفة الكامنة وراء هذا النهج جذرية: "في كل مادة ينتجها المجتمع الإسرائيلي معلومات قيّمة حول سبل حياة الناس وتفكيرهم وتنظيمهم أنفسهم".

 

بحسب "هآرتس"، برز الأساس الوجوديّ لمشروع برلين بوضوح حين زار الكاتب الإسرائيلي حاييم بير جامعة هارفارد في أواخر التسعينيات. وعندما أتيحت له فرصة رؤية قبو برلين الضخم الحافل بالمفهرسين الشباب، الذين "يرقمنون" الموادّ، طرح بير السؤال البديهي: "لماذا تحتاج جامعة أميركية مرموقة إلى حفظ الوثائق الإسرائيلية؟". كان جواب برلين ساحرًا: "هل أنت متأكد تمامًا من أنك [في إسرائيل] ستنجو؟".

 

كشف هذا السؤال – المستفزّ والمقلق في آن - عن الافتراض المزعج الذي يحرك المشروع بأكمله. لم يكن برلين يبني أرشيفًا فحسب، إنما كان يُنشئ "نظامًا احتياطيًا" للذاكرة الثقافية والمؤسسية لأمة بأكملها، في خطة طوارئ لليوم الذي قد تُمحى فيه كل ما يعرفه العالم عن دولة إسرائيل. لكن أحدهم سألأ: "لماذا يعتمد التراث الوثائقي لأمة على الحفظ في بلدٍ مُهدّد بالهجوم النوويّ والإهمال المؤسّسي؟".

 

 

أمين مكتبة هارفرد تشارلز برلين (عن هآرتس الإسرائيلية)
أمين مكتبة هارفرد تشارلز برلين (عن هآرتس الإسرائيلية)

 

توثيق فوري

تعترف "هآرتس" بأن التزام هارفارد بالمواد الإسرائيلية واليهودية استثنائي. فوفقًا لأمينة المكتبة المساعدة إليزابيث كيرك، بين 5 و7% من مجموعة هارفارد الضخمة، التي تُضاهي في نطاقها مكتبة الكونغرس والمكتبة الوطنية الفرنسية، تتعلق باليهود، أو أرض إسرائيل، أو دولة إسرائيل. ويعكس هذا التخصص عوامل تاريخية عدة. فحين أُسّست هارفارد في ثلاثينيات القرن السابع عشر، كانت اللغة العبرية مادةً إلزاميةً يدرسها الطلاب، وضرورية لقراءة الكتاب المقدس بلغته الأصلية. لكن المجموعة توسعت بعد قيام دولة إسرائيل في 1948، عندما كُلِّف برلين - خريج هارفارد وحامل الدكتوراه في الدراسات اليهودية آنذاك وهو في السادسة والعشرين - إدارة وحدة مخصصة لتوثيق الحياة والثقافة اليهودية عبر الأجيال.

حجم ما جمعه برلين مذهل. فبين عامي 1970 و2020، طُبعت كتب جديدة بالعبرية أكثر مما طُبع خلال 500 عام سابقة. لكن أسبقية برلين تكمن في إدراكه أن الكتب التقليدية تمثل جزءاً ضئيلاً مما يحتاج إلى حفظ. فحشد الكُتّاب وأمناء الأرشيف والمؤرخين والمواطنين العاديين لجمع المواد "فوراً"، فكانوا يجمعون المواد لحظة ظهورها: منشورات من الأحياء الأرثوذكسية المتشددة صُوِّرت قبل تغطيتها بإعلانات جديدة، وملصقات وكتيبات من التظاهرات، وبطاقات عمل خاصة، ودعوات لحضور فعاليات جامعية، وبرامج مهرجانات، ونشرات إعلانية. وأمضى عالم الاجتماع مناحيم فريدمان، متسلّحًا بكاميرا اشتراها برلين، سنواتٍ في تصوير آلاف الـ "باشكيفليم" (ملصقات جدارية) القدسيّة في الأحياء الحريدية، مُنشئًا أرشيفًا بصريًا للتواصل المجتمعي الزائل، الذي كان سيختفي لولا هذا الجهد. ويقول الكاتب والناقد الأدبي إيهود بن عازر: "المنشورات الصغيرة، حتى لو طُبعت بنسخٍ عديدة، تُفقَد لأن أحدًا لا يحتفظ بها". وأقرّ بأنه في الوقت الذي تجد الكتب الرئيسية طريقها في النهاية إلى المكتبات، فإنّ الموادّ اليوميّة تختفي ما لم يحفظها أحدٌ عمدًا.

 

غولدا مئير. (وكالات)
غولدا مئير. (وكالات)

 

من يتحكم بتراث إسرائيل؟

لعل "إذاعة إسرائيل" هي المثال الأبرز على تدخّل هارفارد في حفظ هذا الأرشيف. فقد بقيت آلاف الساعات من البثّ والنشرات الإخبارية من حروب إسرائيل في حالةٍ متهالكة في مكاتب هيئة الإذاعة الإسرائيلية في حي روميما بالقدس. ووفق ما قال موتي أمير، محرر الأخبار وأمين مكتبة "إذاعة إسرائيل": "أولت هيئة الإذاعة الإسرائيلية هذا الأمر أهميةً أقلّ من أهمية ورق المراحيض". اليوم، في كامبريدج 13,000 نشرة إخبارية مُفهرسة بدقة من "إذاعة إسرائيل"، بما في ذلك إعلان رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة غولدا مائير عن حرب 1973، وشهادات من وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان.

تكشف هذه الأرشفة عن حقائق مُقلقة حول القدرات المؤسسية لإسرائيل. فقد تعاونت الأرشيفات الصهيونية المركزية في القدس مع جامعة هارفارد لرقمنة نحو 1,5 مليون صورة من مجموعتها المرئية. وأقرت نائبة المدير، سيمون شليشتر، بأن الأرشيف الصهيوني المركزي يفتقر إلى الموارد والخبرة اللازمة لمثل هذا الرقمنة؛ وبدت مساعدة هارفارد شراكة مثالية. مع ذلك، تقول "هآرتس" إن هذا الترتيب يعني أيضًا أن "جامعة أميركية خاصة، لا دولة إسرائيل، هي التي تتحكم الآن في الوصول إلى التراث الوثائقي اليهودي".


إلى السرد المطوّل، تطرح "هآرتس" أسئلة عميقة حول الحفظ والسيادة والبقاء. فمشروع برلين يعمل مفترضاً أن الزوال حتمي، سواء من الدمار المادي أو الانهيار المؤسسي أو المحو الوجودي. فهل هذا شعور عام في إسرائيل اليوم؟

 

الأكثر قراءة

تركيا 11/16/2025 6:11:00 AM
كان أفراد العائلة أصيبوا بتوعّك الأربعاء بعد تناولهم أطعمة من باعة متجوّلين
سياسة 11/16/2025 9:53:00 AM
قماطي: "الولايات المتحدة تُعزّز هذه المستودعات وتضغط بكل ما تستطيع لنزع سلاح المقاومة"
سياسة 11/16/2025 2:18:00 PM
حنكش: لضبط كل السلاح خارج الشرعية وخصوصاً مع رواسب الميليشيات المسلحة في المتن وكل لبنان
سياسة 11/16/2025 5:01:00 PM
تجاوز عدد المقترعين عند الإقفال 4700 ناخب