ديبلوماسية على حافة التصعيد... هل تعيد جولة عراقجي إحياء القنوات التفاوضية المجمَّدة؟

ايران 27-11-2025 | 06:31

ديبلوماسية على حافة التصعيد... هل تعيد جولة عراقجي إحياء القنوات التفاوضية المجمَّدة؟

 داخلياً، تواجه إيران نقاشاً استراتيجياً بين مؤسسات النظام وشخصياته ومجموعة من النخب بشأن كيفية التعامل مع الضغوط الأميركية.
ديبلوماسية على حافة التصعيد... هل تعيد جولة عراقجي إحياء القنوات التفاوضية المجمَّدة؟
زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، (وكالات).
Smaller Bigger

تندرج زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لباريس، بعد محطتَي مسقط ولاهاي، ضمن حراك ديبلوماسي يتزامن مع حديث عن دور سعودي في تليين مسار  التفاوض بين طهران وواشنطن. وتعبّر الجولة عن سعي إيراني لإحياء قنوات التفاهم وسط تصاعد الضغوط والمخاوف من اتساع رقعة التوتر الإقليمي.

وكشفت وكالة "رويترز" أن وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلقى خلال الاستعدادات النهائية لزيارته البيت الأبيض رسالة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، طلب فيها وساطة الرياض لاستئناف المحادثات النووية بين طهران وواشنطن. وبحسب مصدرين إقليميين تحدثا إلى الوكالة، فإن الطلب الإيراني جاء مدفوعاً بالخوف من اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، إضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. وقال بزشكيان في رسالته، وفق المصادر، إن إيران "لا تسعى إلى المواجهة"، وإنها مهتمة بتعزيز التعاون مع دول المنطقة، مضيفاً أنها لا تمانع حلاً ديبلوماسياً للملف النووي شرط الحصول على ضمانات بعدم المساس بحقوقها. 

داخلياً، تواجه إيران نقاشاً استراتيجياً بين مؤسسات النظام وشخصياته ومجموعة من النخب بشأن كيفية التعامل مع الضغوط الأميركية. فالمتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي نفى وجود أيّ "مسار تفاوضي" مع واشنطن، وحمّل الإدارة الأميركية مسؤولية "فرض الإملاءات". لكن هذا التصريح الرسمي لا يعكس كل الصورة، في وقت يرى تيار آخر داخل "الدولة" ضرورة استثمار الفرصة الراهنة.

وتكشف هذه الخطوات استمرار قنوات التواصل رغم التعقيدات. وتعكس تحرّكات عراقجي محاولة لإعادة بناء شبكة العلاقات الديبلوماسية، وسط معطيات معقّدة وشروط أميركية مرتفعة السقف بالنسبة إلى طهران تعوق أيّ تقدّم فعليّ في مسار التفاوض.  

وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي محمد غروي لـ"النهار": "العلاقات موجودة بين إيران ومسقط والترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، والطارئ فيها هو الكلام الذي ذكره الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن العلاقة مع إيران وعن أن طهران مستعدة للتفاوض، إلى جانب المداخلة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان لتقريب وجهات النظر في ما بين إيران والولايات المتحدة". لكنه يلفت إلى أنه رغم ذلك "لا تزال المسافات بعيدة. فعراقجي قال قبل يومين في مقابلة إنه على تواصل مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ما يدلّ على أن هناك تنسيقاً دائماً بين مسؤولي ديبلوماسية البلدين".

يؤكد غروي أن "العلاقة غير مقطوعة بين الطرفين، لكن الشروط هي التي تحول دون الوصول إلى نتائج إيجابية، بمعنى أن الأميركيين يضعون شروطاً تعجيزية أمام الإيرانيين، من ضمنها وقف التخصيب وموضوع الصواريخ"، معتبراً أن "ذلك يشكّل خطاً أحمر لدى الإيرانيين، إذ إن هذه التوافقات غير قابلة للوصول إليها". لذلك يشدد غروي على أن "المشكلة في الوسطاء، فالترويكا الأوروبية هي التي كان لها موقف سلبيّ جداً من إيران، وخاصة في موضوع "سناب باك" (الآلية التي أعادت فرض العقوبات الدولية على إيران في أيلول/سبتمبر الماضي)، والذي حصل في مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية". 

ويضيف: "لكن طهران، رغم ذلك، تقول إن الديبلوماسية والمفاوضات هي الطريق المناسب للوصول إلى حلول ولو جزئية فيما تضع الولايات المتحدة شروطاً عالية السقف فتجعل نتائج المفاوضات دائماً سلبية". 

 

العلم الايراني في طهران، (أ ف ب).
العلم الايراني في طهران، (أ ف ب).

 

بالفعل، لا تزال الخلافات الأساسية بين الطرفين عميقة. فإيران تتهم الولايات المتحدة بـ"خيانة الديبلوماسية" من خلال وقوفها مع الجيش الإسرائيلي في الحرب، وتطالب برفع العقوبات النفطية التي تخنق اقتصادها. في المقابل، تصرّ واشنطن على وقف تخصيب اليورانيوم وتقليص برنامج الصواريخ الباليستية ووقف دعم المجموعات المسلحة في المنطقة، وهي مطالب ترفضها طهران بشدّة.

ويقول رئيس قسم الدراسات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور عماد سلامة، لـ"النهار": "تسعى إيران من خلال تحركات وزير خارجيتها، الذي زار مسقط ثم باريس، إلى إعادة بناء شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية ضمن شروط جديدة فرضتها المتغيّرات الجيوسياسية الأخيرة، ولا سيما بعد تصاعد الضغوط العسكرية والسياسية عليها، عقب حرب غزة، وتراجع نفوذها في سوريا ولبنان والعراق". 

ويرى أن "اختيار مسقط يعكس رغبة إيران في تفعيل قنوات الوساطة الخليجية، خصوصاً مع السعودية، بينما تشير زيارة باريس إلى محاولة إحياء المسار الديبلوماسي مع أوروبا، وخاصة في ما يتعلق بالملف النووي ومخاوف التصعيد الإقليمي"، مشيراً إلى أن "هذه التحركات تأتي في سياق إعادة تموضع دفاعي لإيران، هدفه احتواء التدهور في شبكة تحالفاتها التقليدية وإيجاد صيغ أكثر مرونة وواقعية للعلاقات الخارجية، بعيداً عن المواجهة المباشرة، بما يعكس إدراكاً متزايداً في طهران لتراجع قدرتها على فرض شروطها السابقة، وسعيها للحفاظ على موقع مؤثر في توازنات المنطقة عبر الانفتاح والتفاوض بدل التصعيد".

إلى ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة والجامعة اللبنانية الدكتور نبيل الخوري، لـ"النهار"، إن "الديبلوماسية لم تتوقف يوماً بين إيران والدول الغربية"، ويضيف: "إيران هي اليوم في موقع دفاعي، وتواجه خطر التصعيد العسكري مجدداً ضدها. وهي إذ تحاول التوصل إلى اتفاق نووي جديد، فإنها تصطدم من جهة بالتلويح المستمر بالخيار العسكري الإسرائيلي ضدها، وبالتشدد الغربي في ما يتعلق ببرنامجها النووي. وهي تدرك أن أي مسار ديبلوماسي بوساطة سعودية أو مصرية أو روسية... أو بتفاوض مباشر مع الدول الغربية، ومع الولايات المتحدة خصوصاً، لن ينجح إلا إذا قدّمت تنازلات نووية، أي بشروط تجعل برنامجها النووي شفافاً في نظر الغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية". ويرى أنها "لا تمتلك هامش مناورة بعدما خسرت أوراق القوة الإقليمية التي كانت تمتلكها، من نظام الأسد إلى حزب الله وحماس، وبعد الضربة العسكرية القوية التي استهدفتها من جانب إسرائيل ثم الولايات المتحدة".

ولذلك، يعتقد أن "من مصلحة إيران تسهيل الاتفاق بشروط ترضي اللاعبين الدوليين، وذلك حتى تبعد عنها شبح حرب جديدة أكثر ضراوة على الأرجح. لكن النظام الإيراني يواجه معضلة. فطبيعته لا تسمح بتقديم تنازلات جوهرية، بينما وضعيته وخسائره الجيواستراتيجية لا تمكنه من خوض حرب رابحة. فتبقى الديبلوماسية إما خياراً لكسب الوقت، وهي لعبة لطالما أتقنها النظام الإيراني، وإما لشق الطريق نحو اتفاق جديد يؤسّس لعلاقة جديدة بين إيران والقوى الدولية والغرب، من جهة، وبين إيران والقوى الإقليمية، من جهة ثانية".


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ايران 11/26/2025 12:07:00 AM
أفادت وسائل إعلام إيرانية غير رسمية بسماع تحليق طائرات حربية مجهولة فوق غرب البلاد، بالتزامن مع تفعيل محدود للدفاعات الجوية
لبنان 11/26/2025 2:32:00 PM
وجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، رسالة إلى "التعبويين المجاهدين" ‏في "يوم التعبئة" السنوي
لبنان 11/26/2025 3:37:00 PM
من خلال الكشف الذي أجرته شعبة المعلومات، تبيّن أن أفراد العصابة أحدثوا فجوة في الجدار الخلفي للمحل من جهة منزل مهجور، وتمكّنوا عبرها من الوصول إلى متخت المتجر.
لبنان 11/26/2025 5:55:00 PM
تمّ تعديل التعاميم بحيث تمّ السماح للموسسات الفردية والجمعيات المرخصة من المراجع المختصة (خيرية أو دينية) الإفادة من التعميمين.