"الرئيس وفريقه لا يستسلمون إطلاقاً، والولايات المتحدة تعمل على وضع خطة مفصلة ومقبولة لكلا الجانبين لوقف القتل وإحلال سلام دائم"... هذا ما قاله البيت الأبيض عن جهود السلام للحرب الروسية - الاوكرانية، فيما كشفت تقارير إعلامية عن مقترح مشترك بين واشنطن وموسكو من 28 بنداً لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو 4 سنوات.

انبثقت الخطة الأميركية الروسية عن محادثات بين المبعوث الاميركي ستيف ويتكوف ونظيره الروسي كيريل دميترييف. وذكرت "سي ان ان" أن المفاوضات تسارعت مع شعور الإدارة بأن الكرملين قد أبدى انفتاحاً مُتجدداً على التوصل إلى اتفاق. وتمثل خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الجديدة تحولاً جديداً في موقف البيت الأبيض بعد أن فكر ترامب علناً في توفير صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى لأوكرانيا في أيلول/سبتمبر، وقال حينها إن كييف في وضع يسمح لها باستعادة جميع أراضيها من روسيا.

فبحسب أشخاص مطلعين على الوثيقة، ستلزم الخطة أوكرانيا التنازل عما تبقى من منطقة دونباس الشرقية بما في ذلك الأراضي الخاضعة حالياً لسيطرتها وخفض حجم قواتها المسلحة إلى النصف. ووفقاً لمجموعة "ديب ستيت"، وهي مجموعة مرتبطة بالجيش الأوكراني وترسم خرائط ساحة المعركة، فإنه وفقاً للوتيرة الحالية للتقدم، سيتعين على روسيا القتال أربع سنوات إضافية للاستيلاء على تلك المنطقة.

والأهم من ذلك، أنها تدعو أوكرانيا أيضا إلى التخلي عن فئات رئيسية من الأسلحة، وستشمل تقليص المساعدات العسكرية الأميركية التي كانت حيوية لدفاعها، مما قد يجعل البلاد عرضة لعدوان روسي مستقبلي. إلى ذلك، لن يُسمح لأي قوات أجنبية بدخول الأراضي الأوكرانية، ولن تتلقى كييف أسلحة غربية بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى عمق روسيا. 

تنص الخطة أيضاً على الاعتراف باللغة الروسية لغة رسمية للدولة في أوكرانيا، ومنح وضع رسمي للفرع المحلي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهي أحكام تعكس الأهداف السياسية الراسخة للكرملين. 

في المقابل، ستتعهد موسكو عدم شنّ مزيد من الهجمات على أوكرانيا أو أي دول أخرى في أوروبا، وفقاً للمسؤولين، وستُدوّن هذا الوعد في تشريعات.

توازياً، يزور وفد أميركي رفيع كييف. ويتقدّمه وزير الجيش دان دريسكول، وهو أعلى مسؤول في البنتاغون يزور أوكرانيا منذ عودة ترامب إلى الرئاسة، وقد جاء وصوله بعد اجتماع سري في ميامي جمع ويتكوف بمستشاري زيلينسكي الكبار.

تميل نحو روسيا
في ضوء ذلك، قال مسؤولون مطلعون على الخطة في كييف إنها تتوافق بشكل وثيق مع مطالب الكرملين المتطرفة، فيما رأى مسؤولون روس "إنها ليست خطة، بل مزيج من مقترحات واقعية وعملية بنيات حسنة".

أما بعض المسؤولين المطلعين على الاقتراح فأكد أن "الأميركيين يضغطون على موسكو لتوضيح توقعاتهم الفعلية لبدء المفاوضات".

مباني مدمرة في دونيتسك، (ا ف ب).

كييف تتلقى ضربات موجعة
لا شك في أن هذا المقترح الذي صيغ من دون مشاركة أوكرانية يعكس مطالب الكرملين التي نددت بها أوكرانيا باعتبارها ترقى إلى مستوى الاستسلام، ولكنه يتزامن مع توقيت حساس لكييف في حين تُضعف فضيحة فساد رفيعة المستوى حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مما قد يثني الحلفاء عن إرسال المساعدات. وتتعرض كييف لضغوط متزايدة في ساحة المعركة خصوصاً في الشرق، حيث تحقق قوات موسكو مكاسب ضد الجيش الأوكراني المُنهك. ويرى مراقبون أن واشنطن وروسيا تستفيدان من ذلك للضغط على اوكرانيا للقبول.

فموقف زيلينسكي السياسي في أوكرانيا يضعف وسط فضيحة الفساد ما عزز من جرأة شخصياتٍ معارضة وأثار انشقاقاتٍ داخل حزبه "خادم الشعب"، ودعا بعض أعضاء البرلمان علناً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تُضعف سلطته.
ولكن أفاد مسؤول غربي أنه صحيح أن لزيلينسكي مجالاً أقل للمناورة نتيجة تحقيق فساد، ولكن التراجع عن مواقف بلاده الأمنية الأساسية نتيجة الضغوط لن يؤدي إلا إلى مزيد من تآكل مكانته في الداخل.

كذلك، من المتوقع أن تفقد كييف قريباً حليفاً رئيسياً في واشنطن. فالجنرال المتقاعد الذي عيّنه ترامب مبعوثاً خاصاً لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ سيغادر منصبه. ومن المتوقع أن يشكل رحيله ضربة موجعة لأوكرانيا إذ كان أحد أبرز دعاة كييف داخل الإدارة الاميركية.


أوروبا متفاجئة
من خلال طرح الخطة، تحاول الإدارة الاميركية اتباع النهج نفسه الذي اتبعته للتوصل إلى وقف نار في غزة الشهر الماضي، وهو صياغة مخطط متعدد النقاط ثم دفع الأطراف المتحاربة إلى قبوله، بحسب ما نقلت "وول ستريت جورنال"عن مسؤولين أميركيين. ولتحفيز التوصل إلى اتفاق، تعوّل واشنطن على رغبة روسيا في إحياء العلاقات الاقتصادية مع الغرب وحاجة أوكرانيا إلى أموال لإعادة الإعمار.

لكن من المرجح أن تواجه الخطة، معارضة شديدة في كييف ومن الحكومات الأوروبية. ورأت صحيفة "واشنطن بوست" أن تحقيق تقدم ملحوظ يبدو أمراً مستبعداً.