بعد 80 عاماً من الهولوكوست... إسرائيل تسلّح ألمانيا!
بعد ثمانين عاماً من الهولوكوست، تقدم إسرائيل على خطوة غير مسبوقة بتسليح الدولة التي حاولت إبادة أسلافها، في شراكة وصفها المسؤولون الإسرائيليون بأنها "مدعاة فخر"، بحسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية.
عندما تحدث المستشار الألماني فريدريك ميرتس في قمة مجموعة السبع في حزيران/يونيو الماضي عن القصف الإسرائيلي الشرس لطهران، قال: "إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعاً". أتت هذه العبارة انعكاساً لرؤيته التي تفيد بأن أمن ألمانيا يعتمد الآن على اليهود الذين سعت ألمانيا ذات يوم للقضاء عليهم.
ويقود ميرتس، زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي الوسطي اليميني، حملة لإعادة بناء القوات المسلحة الألمانية (بوندسفير)، حيث يسعى لإنشاء "أقوى جيش تقليدي في أوروبا" لمواجهة التهديد الروسي، خلافاً لعقود من الاستثمار الضعيف في الجيش الألماني، بتمرير إصلاحات تسمح بإنفاق دفاعي غير محدود تقريباً. واللافت خاصةً في استراتيجية إعادة التسلح الألمانية هو الاعتماد الكبير على الصواريخ والمسيّرات وأنظمة الدفاع الجوّي التي تأتي من إسرائيل.

فقد قال مسؤولون إسرائيليون في مجال الدفاع لصحيفة "تلغراف" إنهم لا يؤدّون دوراً محورياً في سياسة إعادة التسلح الألمانية الجديدة فحسب، بل هم "فخورون" بذلك، مشيرين إلى أن نواباً في حزب ميرتس قالوا إن ألمانيا اليوم "معتمدة جداً" على التكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية، خصوصاً مع تصاعد اللهجة العدائية من روسيا وإيران.
وأظهرت نسخ مسربة من قائمة الطلبات العسكرية الألمانية تخصيص 700 مليون يورو لشراء مسيّرات من إنتاج شركة "إلبيت" الإسرائيلية، و100 مليون يورو إضافية للحصول على ذخيرة إسرائيلية تستخدمها مسيّرات "هيرون" التي تنتجها شركة إسرائيل للصناعات الجوية، إضافة إلى صفقة بقيمة ملياري يورو بين إسرائيل وألمانيا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لتزويد البوندسفير بصواريخ "سبايك" المضادة للدروع. وتمثل هذه الصفقة، وهي مشروع مشترك بين شركتي تسليح ألمانيتين وشركة رافائيل الإسرائيلية، إحدى أكبر الصفقات الأوروبية التي وقعتها شركات إسرائيلية على الإطلاق.
وفي أيلول/سبتمبر 2023، وقّعت ألمانيا في عهد المستشار السابق أولاف شولتس صفقة بقيمة أربعة مليارات يورو لشراء نظام "آرو" الإسرائيلي للدفاع الجوي، القادر على تدمير الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، مثل صاروخ "سارمات" الروسي الذي يُستخدم اليوم في الميدان الأوكراني.
إلى ذلك، تعتمد برلين على إسرائيل للحصول على المعلومات الاستخباراتية. ففي أكتوبر الماضي، اعتُقل ثلاثة أفراد يُشتبه في أنهم أعضاء في خلية تابعة لـ"حماس" في برلين، كانت تخطط لتنفيذ هجمات على أهداف يهودية وإسرائيلية، وذلك بفضل عملية واسعة النطاق ينفذها جهاز "الموساد" في أوروبا.
وتحدث مسؤولون إسرائيليون للصحيفة البريطانية عن هذا التطوّر بوصفه "مخالفاً للتاريخ الألماني – اليهودي المشترك في منتصف القرن العشرين، حين استخدمت التقنية الألمانية لإبادة يهود أوروبا".
وقال اللواء أمير بارام، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية: "اعتماد ألمانيا اليوم على المهارات الدفاعية الإسرائيلية يشهد على تطور العلاقة معها. فهذه العلاقة لا تحددها الجراح الماضية، بل يرسيها التزام مشترك بمنع العودة إلى مثل هذه الجراح، ونحن فخورون بأسلحتنا التي يستخدمها الجيش الألماني"، علماً بأن مسألة الهولوكوست ما زالت حساسة في إسرائيل، كما في ألمانيا، خصوصاً بالنسبة إلى ميرتس، الذي كان جدّه لأمّه عضواً في الحزب النازي، وعمدةً لمدينة بريلون بألمانيا الغربية في السنوات الأولى من الرايخ الثالث.

في خطاب لمناسبة إعادة افتتاح معبد كنيس "رايشنباخسترسه" في ميونخ، الذي دمّره النازيون في 1938، تحدث ميرتس عن "الإبادة المنهجية والصناعية للشعب اليهودي"، ثم أجهش بالبكاء. جاء هذا الانهيار عاطفي في أثناء إشادته باليهود الذين جعلوا ألمانيا موطنهم مرة أخرى.
لكن علاقة ميرتس الوثيقة بإسرائيل لا تخلو من الانتقاد في ألمانيا، فحكومته متهمة بتجاهل الاتهامات الموجهة لإسرائيل بسبب ارتكابها إبادة جماعية في قطاع غزة، وهذا ما تنكره إسرائيل. وشهدت حكومته لحظات توتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مثل قرار برلين في آب/أغسطس الماضي الإيقاف المؤقت لتسليم أسلحة لإسرائيل كانت ستُستخدم في غزة.
قال ميرتس في ذلك الوقت إنه يجد "من الصعب بشكل متزايد" فهم أهداف إسرائيل في غزة، حيث قُتل حوالي 62,000 فلسطيني وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة ووزارة الصحة التي تديرها حماس. وقال أيضاً في أيار/مايو: "الإضرار بالمدنيين لا يمكن تبريره بأنه نضال ضد الإرهاب".
ردّت إسرائيل باعتدال، فقال رون بروسور، السفير الإسرائيلي في برلين: "عندما ينتقد ميرتس إسرائيل، نستمع إليه بعناية لأنه صديق".
نبض