"لم يعد اللاعبون الكبار في المنطقة ينظرون إلى موسكو"
كان الموقف "محرجاً".
هذا هو على الأقل توصيف تقارير غربية لمبادرة موسكو إلى تأجيل/إلغاء القمة الروسية-العربية التي تم الإعداد لها طوال أشهر.
فبدلاً من تدفق القادة العرب إلى روسيا وإظهار أنها تخطت عزلتها الدولية بعد حرب أوكرانيا، كانت وجهتهم شرم الشيخ، حيث تم التوقيع على "اتفاق غزة" برعاية واشنطن، المنافس الأزلي لموسكو.
ما قد يخفف من "الإحراج" تزامن الحدثين مصادفة. لولا هذا التزامن، يقول قائل، لربما عُقدت القمة في موعدها الأساسي. المشكلة في هذا التحليل تفاديه للسؤال الأساسي: لماذا تتصدر واشنطن صور السلام في الشرق الأوسط بدلاً من أن تكون الصدارة مشتركة على الأقل مع موسكو؟
الجواب بسيط: لأن العالم ليس متعدد الأقطاب كما تحب روسيا أن تردد. حتى حين يبدو كذلك، يكون السبب، إلى حد كبير، الانكفاء الأميركي الإرادي. يمكن مقارنة ذلك بدخول روسيا الميدان السوري قبل 10 أعوام. لم يكن السبب الأساسي قوة روسيا بل تردد باراك أوباما.
"جرح مفتوح"
بالحديث عن سوريا، لم يخسر الروس كل رهاناتهم هناك بعد سقوط الأسد. ما زالوا يحتفظون بقواعدهم العسكرية في البلاد كما بعلاقاتهم التجارية مع الحكومة الجديدة. وشكلت زيارة الرئيس أحمد الشرع روسيا مؤخراً دليلاً إلى أن موسكو خرجت بخسائر محدودة نسبياً بعد إطاحة النظام السابق. لكن مجدداً، يصح ذلك طالما أن الحكومة الأميركية لم تضغط على الشرع كي يقطع علاقاته بموسكو.
ووضعُ روسيا مع إيران هش أيضاً. ثمة تقارير عن نوايا إيران تعزيز ثقلها الخارجي مع الصين على حساب موسكو، بسبب عدم دفاع الأخيرة عن مصالحها خلال الحرب الأخيرة. ما يحبط هذه النوايا هو عدم جاهزية الصين راهناً لدعم القوة العسكرية الإيرانية بما يكسر التوازن. بسبب غياب الخيارات البديلة، تحافظ طهران على علاقاتها مع موسكو لعلها تساهم بوساطة مع الغرب. لا يساعد كثيراً الكلام الأخير لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف عن أن موسكو حاولت عرقلة الاتفاق النووي سنة 2015، لأنها تريد ترك إيران معلّقة. بحسب رأيه، أرادت روسيا "إبقاء الجرح مفتوحاً لكنها منعت النزاع".

ضعف في مناطق أخرى
قد يبرز في تركيا أيضاً توجه خارجي جديد في العلاقة مع روسيا. ذكرت صحيفة "نفس" التركية الشهر الماضي أن روسيا تقدمت بطلب لإعادة شراء منظومتي "إس-400" لحاجتها إليهما في أوكرانيا. نفى مصدر تركي لوكالة "ريا نوفوستي" الخبر لكن روسيا تواجه تأخيراً في تصدير المنظومة إلى الهند، ما يبرر التفكير بتوقيع عقد كهذا. يتزامن ذلك مع رغبة تركية بالعودة إلى برنامج تصنيع مقاتلات "إف-35". مع أو بدون الصفقات العسكرية، يناسب تركيا أن تفوز أوكرانيا بالحرب لإضعاف نفوذ روسيا في البحر الأسود. بالمناسبة، قد تعقد أنقرة شراكة مع واشنطن وسيول لبناء محطتها النووية الثانية على ضفاف البحر نفسه، بعدما كان متوقعاً أن تستلمه روسيا.
وثمة سؤال عن آفاق العلاقة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، بعد ضعف إيران. لم تكن روسيا قادرة أو راغبة بتقييد إيران إقليمياً، حتى قبل حرب أوكرانيا، ومن غير المرجح أن تؤدي هذا الدور بعدها. والأمر نفسه ينطبق على دور روسيا في كبح جماح إسرائيل. في نهاية المطاف، عندما قصفت إسرائيل قادة "حماس" في قطر، لم تطلب الدوحة ضمانة أمنية من روسيا بل من الولايات المتحدة. وثمة مسعى سعودي محتمل للحصول على ضمانة أمنية مشابهة.
حظ روسيا
تقول مراقبة الشؤون الروسية الخارجية حنة نوته إن "الدور الديبلوماسي الروسي في الشرق الأوسط تراجع بسبب حرب أوكرانيا". وتضيف: "حين يأتي الموضوع إلى التطورات الكبيرة، لم يعد اللاعبون الكبار في المنطقة ينظرون إلى موسكو".
من حسن حظ موسكو أن الذاكرة السياسية قصيرة عادة. إذا فازت روسيا في الحرب على أوكرانيا فقد يتغير الكثير من كلام نوته. ومن سوء حظها أن ملامح هذا الفوز لا تزال ضئيلة.
نبض