كيف تمكنت روسيا من تفادي الأسوأ في سوريا؟

في أقل من عام، انقلبت حظوظ روسيا في سوريا رأساً على عقب. هذا على الأقل بالمقارنة مع التوقعات التي افترضت نهاية دورها السياسي والعسكري هناك، بعد سقوط حليفها الأسد. تبين أن تلك الافتراضات جاءت متسرعة. بعد تقارير أولية عن بدء سحب قطعها من قاعدتيها في طرطوس واللاذقية نحو شمال أفريقيا، تمكنت روسيا من الاحتفاظ ببصمتها العسكرية في المنطقتين.
من جهة ثانية، بدأت روسيا في آذار/مارس بإعادة نقل قواتها إلى قاعدتها في القامشلي أقصى شرق البلاد، حيث مركز ثقل الأكراد الذين شاركوا في محاربة تنظيم داعش عبر "قوات سوريا الديموقراطية". خضعت تلك القاعدة الجوية التي أسستها روسيا سنة 2016 إلى إعادة تحديث بنيتها التحتية، مع تعزيز لقدراتها الجوية، خلال الأشهر القليلة الماضية.
العنوان الأبرز
كانت المرونة العنوان الأبرز للسياسة الخارجية الروسية. حين تدخلت في سوريا سنة 2015، تعاونت موسكو مع تركيا وإيران في "مسار أستانة" بالرغم من تباين الأجندات بين طهران وأنقرة. ومع أن روسيا وإيران نسقتا عسكرياً على الأرض لضرب المعارضة السورية، لم يتحول هذا التنسيق إلى تحالف دائم. كذلك، لم يتحول إسقاط تركيا لمقاتلة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 إلى عداوة دائمة. امتد نمط التعامل هذا سريعاً إلى الحكومة الجديدة في سوريا، حيث أشادت روسيا بـ "كفاءة" دمشق بعد نحو شهر واحد فقط على إطاحة الأسد.
يشبه ذلك إلى حد بعيد الانفتاح الروسي على حركة "طالبان". فبالرغم من أن الأمر استغرق وقتاً أطول بالمقارنة مع الانفتاح على الحكومة الجديدة في دمشق، يبقى أن روسيا كانت أول دولة تعترف ديبلوماسياً بـ "طالبان" في آب/أغسطس الماضي، مما صدّع الإجماع الدولي ضد الحركة.
من قواعد العلاقات الدولية
تصرفت روسيا كما هو متوقع إلى حد بعيد في العلاقات الدولية، حيث كان الديبلوماسي السابق هنري كيسنجر يشير إلى أن الفراغ الناجم عن انهيارٍ في النظام الإقليمي يستدعي تدخل القوى الأجنبية لصياغة التوازن الجديد بحسب مصالحها. مع ذلك، ثمة علامة استفهام.
عملياً، سقط نظام الأسد لأن روسيا، ومعها إيران، لم تستطيعا الدفاع عنه، وبمعنى آخر، لأن النظامين الروسي والإيراني انهارا معاً في الإقليم، مما تسبب بانهيار الحكم السابق. إذاً كيف استطاعت روسيا إحياء نفوذها في سوريا بعد تضرره بشدة في كانون الأول/ديسمبر؟
سمة أخرى
بحسب حنّة نوتّه من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، يعزى الحضور الروسي المتجدد إلى عوامل ذاتية وخارجية. ترى تركيا وإسرائيل أنه بإمكان روسيا الحد من نفوذ الطرف الآخر في الشمال والجنوب. بينما يعتقد الأكراد أن روسيا قد تحميهم من أنقرة، في حال انسحب الأميركيون من المنطقة. وترى دمشق أن روسيا تعطيها مجالاً للمناورة أمام الغرب، وأنها قد تنجح في تقييد الإسرائيليين. يساعد في ذلك أن روسيا، وعلى عكس إيران، لا تريد تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد.
مع حلول الذكرى العاشرة لبدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة موسكو في 15 تشرين الأول/أكتوبر للمشاركة في القمة العربية-الروسية. يتقدم توطيد العلاقات بين دمشق وموسكو بخطى سريعة، بالرغم من أنه لم يبلغ بعد حدّ التحالف. وقد لا يبلغه أبداً. فوسط علاقات دولية تعتمد بشكل متزايد على التحوط، ليس لدى الطرفين ما يخسرانه من استكشاف النوايا المتبادلة، ومن التعاون، حيثما أمكن.