استمرت الزيارة نحو أسبوع.
حين استقبلت الهند وزير خارجية "طالبان" أمير خان متقي الشهر الماضي، كان الترقب القلِق يسود إسلام آباد. انقلب الوضع من توصيف الهند لـ"طالبان" بأنها وكيل لباكستان، إلى تعامل باكستان مع الحركة بصفتها وكيلاً للهند.
لماذا؟
اتهمت الهند "طالبان" بالعديد من الهجمات الإرهابية بين 1999 و2021 وقد تبنت الحركة العديد منها. واستثمرت الهند نحو 3 مليارات دولار في أفغانستان خلال عهد الحكومات الموالية لواشنطن. بالتالي، كان التخلي النهائي عن أفغانستان صعباً. وليس لأسباب اقتصادية فقط.

مع سقوط كابول سنة 2021 بيد "طالبان"، لم تتحقق مخاوف الهند من دعم الحركة لتنظيمات متطرفة مثل "جيش محمد" و"عسكر طيبة". في الوقت نفسه، توترت العلاقات بين "طالبان" وباكستان. فالأخيرة تتهم الحركة بدعم "طالبان باكستان" التي تشن هجمات إرهابية داخل البلاد، إلى جانب اتهامها بدعم "داعش" و"جيش تحرير بالوشستان"، بينما تنفي "طالبان" ذلك. وتُعد السنوات الأخيرة من بين الأكثر دموية بالنسبة إلى باكستان بسبب تلك الهجمات.
بعد نحو 10 أيام من النزاع الحدودي أواسط الشهر الماضي بين أفغانستان وباكستان، والذي للمفارقة اندلع مع زيارة متقي للهند، حاولت "طالبان" وإسلام آباد الحوار، لكن بلا جدوى. خلال النزاع القصير الأجل، اتهمت باكستان أفغانستان بأنها تخوض "حرب وكالة" عن الهند.
بالتوازي مع كل هذه التوترات، وجدت الهند و"طالبان" نافذة مواتية. راحت نيودلهي توسع حضورها الإنساني والاقتصادي في أفغانستان منذ أواخر 2022 تقريباً. وتوجت كابول جهودها بإدانة الهجوم الإرهابي في كشمير أواخر نيسان/أبريل الماضي والذي أشعل حرباً محدودة بين الهند وباكستان. بالتالي، بدا اللقاء بين متقي ووزير الشؤون الخارجية سوبرامانيام جايشانكار، صاحب ثاني أطول خدمة في منصبه بعد الزعيم الأسبق جواهر لال نهرو، نتيجة طبيعية للتطورات السابقة.
نمطان راسخان
لم يصل الأمر بالهند إلى حد الاعتراف الرسمي بحكم "طالبان"، كما فعلت روسيا. لكنها أعلنت عن إعادة افتتاح سفارتها في أفغانستان، وعن عدد من المشاريع الاقتصادية الأخرى. بذلك، تبدأ الهند مواجهة غير مباشرة للنفوذ الباكستاني في البلاد، وتراهن على عدم إيواء "طالبان" متطرفين قد يهاجمون أراضيها.
ومن المرجح أن يكون الانفتاح على "طالبان" جزءاً من سياسة تقضي بعدم إفساح المجال أمام الصين للتوسع كثيراً في أفغانستان. للصين علاقات ديبلوماسية مع "طالبان" وقد تنجح في التوسط بين الحركة وحليفتها باكستان. لا تستطيع الهند تحمل هكذا علاقة ثلاثية على حدودها من الشمال الغربي إلى الشمال الشرقي.
تقول الهند إنها تملك حدوداً مع أفغانستان في شرق "خط ديورند" حيث تتاخمه المنطقة الخاضعة للإدارة الباكستانية من كشمير، والتي تعتبرها نيودلهي أرضاً هندية. وليس القلق نظرياً وحسب. ففي الربيع والصيف الماضيين، عقد الأطراف الثلاثة اجتماعاً وزارياً لمناقشة ضم أفغانستان إلى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان والذي تعارضه الهند لأنه يمر في تلك المنطقة.

كما كتب سي راجا موهان في "فورين بوليسي"، ساد نمطان منذ سنة 1947: عدائية بين أفغانستان وباكستان، ودفء بين أفغانستان والهند. "ساعدت باكستان في تأسيس وتغذية طالبان لإنهاء هذين النمطين لمرة واحدة ونهائية؛ اليوم، تصارع طالبان باكستان وتتطلع إلى الهند للتوازن".
لا تتسم المناورات الجيوسياسية بالسلمية على الدوام. أو هكذا يبدو على الأقل. تبنت "طالبان باكستان" تفجيراً انتحارياً أمام إحدى المحاكم الباكستانية يوم الثلاثاء أودى بحياة 12 شخصاً على الأقل.
فهل تجدد قريباً حرب المئة ساعة؟
نبض