تركيا 29-09-2025 | 06:25

الطاقة والدفاع و"الشرعيّة"... قراءة في صفقات ترامب - أردوغان

الصفقة الأخرى التي أثارت جدلاً في تركيا هي شراء 225 طائرة من شركة "بوينغ" الأميركية، المدرجة ضمن قائمة أكثر الشركات دعماً لإسرائيل.
الطاقة والدفاع و"الشرعيّة"... قراءة في صفقات ترامب - أردوغان
ترامب يتحدث إلى الصحافة أثناء اجتماعه مع أردوغان في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في واشنطن. (أ ف ب)
Smaller Bigger

لا تزال أصداء الزيارة الأميركية للرئيس رجب طيب أردوغان تتردد في تركيا، مثيرة جدلاً واسعاً لناحية الفاتورة الحقيقية لهذه الزيارة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الديبلوماسية والإقليمية.

 

تمحور اللقاء، الذي طال انتظاره لمدة ست سنوات تركيّاً، حول أربعة عناوين رئيسية، وطغى على بدايته طابع من الحميمية الممزوجة بالرسائل غير المباشرة والتلميحات التي ارتقت إلى مستوى التلويح بالعصا من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.


ترامب يفتح الباب أمام رفع العقوبات

فاجأ ترامب ضيوفه بإدخال الصحافيين إلى الغرفة قبل الاجتماع والإجابة عن أسئلتهم، رغم طلب الطرف التركي عدم عقد لقاء صحافي قبل الاجتماع وبعده، درءاً للحرج الذي قد تسببه أسئلة الصحافيين الأميركيين جراء المناوشات الإعلامية التي سبقت الحدث.

 

من تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حيال تجاهل تصريحات المسؤولين، ومنهم تركيا، وبالتركيز على حقيقة أن "الجميع يتوسل من أجل الحصول على 5 دقائق لمصافحة ترامب"، إلى القنبلة التي فجرها السفير الأميركي في أنقرة وممثل ترامب في سوريا توم براك، الذي قال إن ما يبحث عنه أردوغان هو الشرعية التي ستمنحها له واشنطن، وصولاً إلى تصريحات أردوغان لقناة "فوكس نيوز" بشأن فشل ترامب في تعهداته بإيقاف حرب غزة وأوكرانيا واعتباره "حماس" حركة مقاومة لا منظمة إرهابية؛ كلّ هذه الأمور خلال الـ48 ساعة التي سبقت اللقاء، رفعت من احتمالات فشله.

 

لكن ترامب، الذي تعمّد تلقّي أسئلة الصحافيين الأتراك، واستحوذ بالتالي على معظم مدة اللقاء الصحافي، كال المديح لنظيره التركي، دون أن ينسى إرسال رسائل إشكالية غير مباشرة، خصوصاً حينما ذكّر بحادثة إطلاق سراح الراهب أندرو برونسون بعد تهديده بتدمير الاقتصاد التركي إن بقي أردوغان على موقفه المتعنت، والتلميح بكون ضيفه الأكثر علماً بالانتخابات المزوّرة، وقوله إنه "لا يعلم موقف أردوغان من غزة"، في إشارة إلى تباين في التصريحات العلنية والمواقف خلف الأبواب المغلقة.

 

وكان التصريح الأبرز للرئيس الأميركي إعلانه أن العقوبات المفروضة على تركيا بموجب قانون CAATSA، والتي بدأت خلال ولايته الأولى، قد تُرفع "في أي لحظة إذا ما سارت المحادثات بشكل جيد".

 

كذلك، أبدى ترامب، الذي استقبل أردوغان مرتدياً شارة (بروش) على شكل طائرة حربية، موافقة مبدئية على بيع مقاتلات إف-35 لتركيا، ودعا أنقرة إلى وقف استيراد النفط الروسي.

 

في المقابل، تجنب ترامب توجيه رسائل حاسمة حيال ملفي سوريا وغزة، وهما من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين.

 

فاجأ ترامب ضيوفه بإدخال الصحافيين إلى الغرفة قبل الاجتماع والإجابة عن أسئلتهم. (أ ف ب)
فاجأ ترامب ضيوفه بإدخال الصحافيين إلى الغرفة قبل الاجتماع والإجابة عن أسئلتهم. (أ ف ب)

 

صفقات اقتصادية مقابل "الشرعية"


من جهته، أردوغان، المدرك لضرورة لقاء ترامب محملاً بالصفقات، ذهب إلى المكتب البيضوي حاملاً معه صفقات بمئات مليارات الدولار في ثلاثة قطاعات تعتبر الأقرب إلى قلب نظيره الأميركي: الصناعات الدفاعية والطاقة والعقارات.

 

وقّعت أنقرة اتفاقاً مع شركة Mercuria Energy Group الأميركية لتزويدها بالغاز الطبيعي المسال لمدة 20 عاماً، إلى جانب استئناف تصدير النفط من العراق عبر ميناء جيهان، بعد توقف دام عامين، بدءاً من يوم السبت.
أشاد ترامب بمكانة أردوغان في كل من روسيا وأوكرانيا، قائلاً إنه يحظى بالاحترام لدى الطرفين، وإن أراد فبإمكانه أن يكون له تأثير كبير. في الوقت الراهن، يفضل البقاء على الحياد. لكن أهم ما يمكن أن يقوم به هو التوقف عن شراء النفط والغاز من موسكو.

 

وعند سؤاله من قبل الصحافيين عما إذا كان أردوغان قدّم التزاماً واضحاً بوقف استيراد النفط الروسي، أجاب ترامب: "لا أريد أن أجيب عن ذلك"، لكنه أضاف: "أعتقد أنه سيفعل ذلك عندما أطلب منه".

 

وتستورد تركيا 67,84% من احتياجاتها النفطية و41% من الغاز الطبيعي من روسيا، ما يشرح أهمية الشراكة بين موسكو وأنقرة في مجال الطاقة، خصوصاً أن روسيا تقدّم عروضاً مغرية لجارتها في البحر الأسود من أجل الحفاظ على هذه الشراكة.

 

مع نهاية هذا العام، تنتهي عقود شركة الطاقة الحكومية التركية BOTAŞ لاستيراد الغاز من روسيا، ويستبعد الخبراء الأتراك احتمال عدم تجديدها، نظراً إلى الحاجة التركية الماسة إلى الغاز الروسي، خصوصاً أن عقد استيراد الغاز الإيراني سينتهي في عام 2026، وسط توقعات بضغوط أميركية لناحية عدم تجديده، بينما لا يتعدى الغاز المستورد من الجزائر الـ 4.4 مليارات متر مكعب، أي أقلّ من 10% من احتياج تركيا.

 

وكانت "بوتاش" قد وقعت العام الماضي اتفاقاً مع شركة "توتال إنرجيز" لاستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG) من الولايات المتحدة لمدة 10 سنوات اعتباراً من عام 2027. ويوجد في تركيا 5 محطات للغاز الطبيعي المسال (LNG) إضافة إلى وحدات FSRU (سفن عائمة مخصصة لإعادة التغويز).
مع العقد الموقع، تكون الولايات المتحدة قد انضمت إلى قائمة روسيا وإيران والجزائر كمورد للغاز إلى تركيا، لكن الخبراء الأتراك يحذرون من تفرد واشنطن بالتوريد، ما يضرب التوازن في سياسات تنويع مصادر الطاقة التي تهدف إليها أنقرة لضمان أمن إمداداتها، بدلاً من الارتهان لطرف واحد، خصوصاً أن إدارة ترامب تتعامل مع أردوغان على أساس نقاط ضعفه المتمثلة في أزمة "الشرعية"، التي تحدث عنها براك، إلى جانب فضائح مليارات الدولارات من نفط كردستان العراق، الذي بيع خارج القنوات الرسمية، ومسألة بنك "هالك" المتهم بالالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وكلها أوراق يعرف ترامب استخدامها.

 

أما الصفقة الأخرى التي أثارت جدلاً في تركيا، فهي شراء 225 طائرة من شركة "بوينغ" الأميركية، المدرجة ضمن قائمة أكثر الشركات دعماً لإسرائيل. وفي حين أكد الموالون للسلطة في تركيا حاجة الخطوط الجوية التركية لهذه الطائرات، اعتبرت المعارضة الصفقة بمثابة رشوة لترامب، خصوصاً أن البديل الأوروبي (إيرباص) "يلائم أكثر شروط تركيا الاقتصادية ومواقفها السياسية".

غياب غزة وسوريا عن المؤتمر


عندما سئل ترامب عن وجود خلافات بين تركيا وإسرائيل بشأن قضية غزة، أكد على ضرورة تسليم الرهائن العشرين والجثث الثمانية والثلاثين الموجودة لدى "حماس" دفعة واحدة لإسرائيل. وأشار إلى أن لأردوغان "تأثيراً كبيراً في المنطقة"، وأن الجميع يرغب في إنهاء الحرب في غزة، وأنه أجرى محادثات مع قادة المنطقة وأن الاتفاق قريب.

 

أردوغان، الذي دان سياسات إسرائيل القائمة على "الإبادة الجماعية" في غزة خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين، لم يطرح الموضوع أمام الصحافيين بحضور ترامب، كما أنه لم يعلن عن أي تفاصيل أولية عمّا تمّ مناقشته خلال اللقاء، ولم يوجه أيّ من الصحافيين الأتراك الحاضرين في المكتب البيضوي سؤالاً إلى أردوغان عن إسرائيل أو غزة قبل الاجتماع مع ترامب.

 

أما بالنسبة إلى سوريا، فقد تجنب ترامب الدخول في مسألة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبدلاً من ذلك أثنى على أردوغان بوصفه القائد الذي حقق الهدف التركي منذ 2000، محمّلاً إياه "جميلة" رفع العقوبات.

 

زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل افترض أن أردوغان خشي التعبير عن موقفه بشأن إسرائيل وغزة أمام ترامب، خصوصاً في ظل التقارير الإعلامية الأميركية التي تحدثت عن غضب ترامب من تصريحاته لقناة "فوكس نيوز".

 

واتهم أوزيل خصمه بإعطاء الأولوية للصفقات الاقتصادية (شراء طائرات بوينغ، اتفاقات الغاز الطبيعي المسال) على حساب القضايا الجيوسياسية مثل فلسطين، مشدداً على غياب ملف غزة عن المناقشات. كذلك انتقد إزالة الرسوم الجمركية على السلع الأميركية، والتعاون في مجال المعادن النادرة باعتبارها "خسائر استراتيجية"، قائلاً إن أردوغان حوّل "تركيا من حليف استراتيجي لواشنطن إلى زبون مربح".

 

في المقابل، ركّز زعيم حزب "النصر" المعارض أوميت أوزداغ على تصريح ترامب حول "الانتخابات المزوّرة"، واعتبره استفزازاً متعمّداً له تبعات داخلية ودولية، مندداً في الوقت ذاته بتصريحات براك حيال "الشرعية"، واعتبرها إهانة لسيادة تركيا، وبأن إحياء أزمة برونسون من قبل ترامب "وقاحة ديبلوماسية".

 

وفي ظل استمرار التكتم في ملفات رفع العقوبات وبيع مقاتلات إف-35 والاتفاق بشأن غزة وسوريا، ترى المعارضة في تركيا القمة على أنها "استسلام لمطالب الولايات المتحدة"، في حين يُبرز حلفاء الحكومة أنها "تعزز العلاقات الثنائية" وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين أنقرة وواشنطن في المنطقة.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.