بفضل سوريا... ارتفاع ثقة الأتراك بأردوغان

على رغم تراجع بيانات الاقتصاد التركي مقارنة بالخطط والأهداف الحكومية المعلنة لناحية التضخّم والعجز وقيمة الرواتب، لعبت التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، دوراً بارزاً في تعزيز موقف حزب "العدالة والتنمية" وزعيمه رجب طيب أردوغان، وزادت من شعبيّته، فيما استمرّت حالة التردد لدى قطاع كبير من الناخبين الأتراك، مما يُبقي الساحة السياسية مفتوحة أمام سيناريوات متعددة في أيّ استحقاق انتخابي مقبل.
تصاعد شعبية "العدالة والتنمية" وأردوغان
يعرف حزب "العدالة والتنمية" منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ارتفاعاً مستمراً في التأييد الشعبي، ولو بمستويات طفيفة، إذ أظهر تقرير شركة "ميتروبول" الأخير لشهر كانون الأول / ديسمبر 2024 زيادة في نسبة مؤيدي الحزب بنحو 4% مقارنة بالشهر الماضي، بالتزامن مع ارتفاع معدّلات الرضا عن أداء الرئيس أردوغان، في مؤشر إلى أن التطورات الأخيرة أثّرت إيجاباً على صورته.
وساهمت التطورات في سوريا والدور التركي الحاسم بتغيير نظامها في تعزيز موقف الحكومة التركية، إذ ينظر الكثير من الناخبين إلى هذا التحرك باعتباره نجاحاً سياسياً وأمنياً يعكس قوة القيادة التركية ورؤيتها الثاقبة للمستقبل.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تحسّن طفيف في نظرة الناخبين إلى أداء الحكومة في إدارة الاقتصاد والسياسة الخارجية، حيث ارتفعت نسبة من يعتقدون أن الحكومة تدير الاقتصاد بشكل جيد من 27% في تشرين الثاني / نوفمبر إلى 31% في كانون الأول / ديسمبر، في حين لا تزال الحكومة تتفوق على المعارضة بفارق 10 نقاط في مجالات السياسة الخارجية والأمن القومي.
صحيح أن نسب تأييد الأحزاب في تركيا لم تعد تعطي صورة شاملة عن الانتخابات الرئاسية، نتيجة للنظام الانتخابي الذي أرساه أردوغان، من جهة، وشخصيّته وقدرته على جذب الناخبين، من جهة أخرى، إلا أنها تظلّ مؤشراً مهماً إلى تكوين البرلمان والاتجاهات العامة للناخبين.
شعبية المعارضة
إلى ذلك، تستمر معاناة المعارضة وعجزها الواضح عن تقديم مواقف مقنعة بشأن قضايا حساسة مثل سوريا، مما أضعف قدرتها على كسب ثقة الناخبين.
وتراجع حزب "الشعب الجمهوري" بنسبة 3% خلال الشهرين الماضيين. ويُعزى هذا التراجع إلى التقارب مع حزب "الديموقراطية ومساواة الشعوب" (ديم) الموالي للأكراد، والمواقف الملتبسة بشأن الملف السوري، والمشكلات الإدارية في داخل الحزب. أما الأحزاب الأخرى مثل "الجيد" و"النصر"، فلم تتمكن من تحقيق تقدّم ملموس في شعبيتها.
من جهة أخرى، لم تتمكّن شخصيات معارضة بارزة مثل رئيس بلدية أنقرة من حزب "الشعب الجمهوري" المعارض منصور ياواش من تقديم رؤى واضحة في الأوقات الحرجة، مما أدّى إلى تراجع شعبيتها، فيما يستمرّ الرئيس التركي في محاصرة منافسه المحتمل، رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بالدعاوى القضائية والخطاب السياسي.
الناخبون المترددون: الكتلة الأكبر
رغم ذلك، لا تزال شريحة الناخبين المتردّدين تشكّل نحو 35% من إجمالي الكتلة الانتخابية، وفق الدراسة ذاتها، مما يجعلها القوّة الحاسمة في تشكيل نتائج أيّ عملية انتخابية مقبلة، خصوصاً أن الأغلبية العظمى من هؤلاء المتردّدين كانوا قد صوّتوا سابقاً لأحزاب اليمين مثل "العدالة والتنمية" وشريكه في الحكم "الحركة القومية" أو حزب المنشقّين "الجيد".
ويتّفق معظم الأتراك على أن حكومة حزب "العدالة والتنمية"، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، فشلت في إدارة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، من خلال السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل، مثل تخفيض أسعار الفائدة الذي أدّى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل ملحوظ.
لكن الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب "الشعب الجمهوري"، لم تنجح في إثبات قدرتها على تحدّي الحكومة بفاعلية، بل ظهرت مفتقرة إلى خطاب سياسي قوي وحلول عملية للأزمات الاقتصادية، كاقتراح زعيم "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزل، رفع المواطنين البطاقة الحمراء بوجه الحكومة، تنديداً بالتدهور الاقتصادي الذي يرهق الفئات ذات الدخل المنخفض والمتقاعدين والعاملين بالحد الأدنى للأجور.
أداء المعارضة الفاشل انعكس على شكل إحباط عام بين المواطنين الذين باتوا يشعرون بالتخلّي عنهم من الحكومة والمعارضة، معبّرين عن الملل الذي أصاب الناس من الخطابات السياسية غير المجدية في تحسين حياتهم اليومية.
التوقعات المستقبلية
مع بداية العام الجديد، يتوقع أن تزداد النقاشات بشأن القضايا الكبرى مثل التطورات في سوريا وقضية عبدالله أوجلان، بالإضافة إلى تعديلات دستورية محتملة قد تؤثر على المشهد السياسي. ورغم المكاسب التي حقّقها أردوغان في كانون الأول، يبقى التحالف الحاكم معرّضاً لضغوط داخلية وخارجية قد تعيد تشكيل المشهد السياسي التركي في الأشهر المقبلة.
وانتقلت نسبة من ناخبي "الحركة القومية" إلى حزب "العدالة والتنمية"، في تطوّر لافت، خصوصاً أن شعبيّتي الحزبين اعتادتا منذ سنوات على التحرك بشكل متزامن.
ولعب زعيم حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف دولت بهجلي، دوراً محورياً في المشهد السياسي خلال الأشهر الأخيرة، حينما أطلق المبادرة السياسية للمصالحة مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، التي أثّرت على قاعدته الانتخابية اليمينية القومية، وربما أسهمت في انتقال جزء من ناخبيه إلى "العدالة والتنمية".
ورغم الزخم المحيط بالقضية الكردية، فإن شريحة واسعة من المجتمع التركي ترى أن أيّ تحرّك متعلّق بهذه القضية يجب أن يكون على مبدأ استسلام الحركة الكردية فقط، من دون ضرورة تقديم تنازلات من أيّ نوع.
وعزّزت التطورات في سوريا الشعور القومي لدى الناخبين اليمينيين الذين ينظرون إلى دور تركيا في تغيير النظام السوري باعتباره إنجازاً وطنياً كبيراً. في المقابل، ساهمت في إضعاف الثقة بقدرة المعارضة على إدارة ملفات السياسة الخارجية.