تركيا 01-01-2025 | 06:45

الاقتصاد التّركي عام 2025: آمال انتعاش تقابلها مخاوف من التّضخم وتراجع قيمة الليرة

تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن حوالي 42.8%  من القوى العاملة في تركيا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، ما يعني أن ما يقارب نصف العمال المسجّلين يعيشون على راتب لا يغطي حاجاتهم الأساسية.
الاقتصاد التّركي عام 2025: آمال انتعاش تقابلها مخاوف من التّضخم وتراجع قيمة الليرة
الاقتصاد التركي...نمو ومخاوف!
Smaller Bigger

تميّز الاقتصاد التركي في عام 2024 بالتضخم المرتفع وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، فيما يأمل الخبراء الاقتصاديون والمختصون الأتراك أن تسهم التطورات الأخيرة في سوريا وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض منتصف شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، إلى جانب التمسّك الصارم بتحقيق البرنامج المالي والاقتصادي، في انتشال البلاد من الركود التضخمي والأزمة الخانقة.

تسلسل تفاقم الأزمة الاقتصادية
بدأ الاقتصاد التركي يفقد زخمه عام 2013، وصولاً إلى أزمة انهيار الليرة عام 2018 التي أدّت إلى زيادة الضغوط التضخمية، لتزيد جائحة كورونا عام 2020 من تعقيد هذه التحديات، مع تعطّل سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

 

وعلى خلفية السياسات الشعبوية والاقتصاد الانتخابي خلال السنوات اللاحقة، شهدت البلاد ارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم وصولاً إلى 75.5%  في أيار (مايو) 2024. هذا الارتفاع الحاد أثر تأثيراً كبيراً على القوة الشرائية للموظفين والمتقاعدين، ما أدى إلى معاناة اقتصادية واسعة النطاق.
وفي محاولة للحد من التضخم، رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الأساسي من 8.5%  في أيار (مايو) 2023 إلى 50%  بحلول آذار (مارس) 2024، لكن الخطوة المتأخّرة لم تنجح في إحداث التراجع المتوقّع في معدّلات التضخم، وسط تأكيد الخبراء الاقتصاديين عدم كفاية السياسات النقدية وحدها لمعالجة التضخم المرتفع، مشددين على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

 

إثر ذلك، تبنّت الحكومة إجراءات صارمة بهدف تقليل الإنفاق العام، شملت حظر شراء مركبات جديدة لمدة ثلاث سنوات، وفرض قيود على شراء المنشآت والمكاتب الجديدة، وتجميد شراء الأثاث خلال الفترة نفسها، وذلك كجزء من استراتيجية أوسع للسيطرة على العجز المالي.

 

سنة جديدة بأجور عالية وخفض للفائدة
قبل أيام، واستجابةً للصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المتقاعدون، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن زيادة الحد الأدنى للرواتب إلى 12,500 ليرة (380 دولاراً أميركياً تقريباً).

 

كما حدّدت الحكومة صافي الحد الأدنى للأجور في البلاد اعتباراً من عام 2025 بـ22,104  ليرات تركية (631 دولاراً)، بزيادة قدرها 30% مقارنة بالعام السابق، بهدف مساعدة العمال على مواجهة التكاليف المتزايدة، إلا أنّها تظل غير كافية لتأمين حياة متوازنة لعائلة مكونة من أربعة أفراد.
وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن حوالي 42.8%  من القوى العاملة في تركيا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، ما يعني أن ما يقارب نصف العمال المسجّلين يعيشون على راتب لا يغطي حاجاتهم الأساسية، فيما يتقاضى 77%  من العمال المسجّلين رواتب تراوح بين الحد الأدنى للأجور وضعف قيمته، ما يشير إلى انتشار مشكلة انخفاض الأجور في مختلف القطاعات الاقتصادية.

 

وتحتل تركيا مرتبة متقدمة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث متوسط ساعات العمل، بمعدل 1732 ساعة سنوياً، لكن، رغم ذلك، تحتل مرتبة متأخرة في مؤشر التوازن بين العمل والحياة، ما يشير إلى أن العمال لا يستفيدون من ساعات عملهم الطويلة من حيث جودة الحياة.

 

وتطالب الجمعيات المدافعة عن حقوق العمال والموظفين والمتقاعدين بأن تكون زيادات الحد الأدنى للأجور متماشية مع معدلات التضخم للحفاظ على القوة الشرائية للفئات الاقتصادية الضعيفة، وخلق فرص عمل أكثر تطوراً وقدرة على تقديم رواتب تنافسية للتقليل من الاعتماد على وظائف الحد الأدنى، إلى جانب تعزيز المساواة في الدخل.

 

وأعلن البنك المركزي خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 250 نقطة أساس ليصبح 47.5%، بعد فترة طويلة من تثبيت السعر عند 50% ، ما فسّر كإعلان لبداية دورة تخفيض مستمرة بالنظر إلى إعلان البنك المركزي تقليص عدد اجتماعات لجنة السياسة النقدية من 12 إلى 8 عام 2025.

 

ويتوقع دويتشه بنك استمرار هذه الدورة بتخفيضات بمقدار 250 نقطة أساس لكل اجتماع بعد الربع الأول من عام 2025. وتُشير التوقعات إلى أن معدل الفائدة الأساسي قد يصل إلى 30%  بنهاية العام، ما يعكس تحولاً كبيراً في السياسة النقدية.

 

ومع ذلك، قد تدفع معدلات التضخم المرتفعة الحالية والعوامل الموسمية، مثل زيادة الطلب على العملات الأجنبية خلال فصل الشتاء، البنك المركزي إلى تبني نهج أكثر حذراً في الربع الأول من عام 2025، إضافة إلى تأثير التغيرات في الظروف الاقتصادية العالمية ومزاج المستثمرين على السياسة النقدية المحلية.

 

آمال بنمو اقتصادي محدود

ورغم التحديات، أظهر الاقتصاد التركي مرونة، محقّقاً معدل نمو بنسبة 5.7%  في الربع الأول من عام 2023، مع توقّعات للبرنامج الحكومي المتوسط الأجل ببلوغ معدل نمو بنسبة 3.5%  لعام 2024.
بالتزامن رفعت وكالات التصنيف الائتماني الدولية، مثل "فيتش"، تصنيف تركيا من "B" إلى "B+"، فيما رفعت "موديز" التصنيف من B3 إلى B1، في انعكاس لنظرة أكثر إيجابية لمستقبل الاقتصاد.

 

وتوقعت موازنة 2025، التي وافق عليها البرلمان التركي، نفقات إجمالية بقيمة 14.73 تريليون ليرة تركية مقابل إيرادات بقيمة 12.8 تريليون ليرة تركية، ليبلغ العجز المتوقع 1.93 تريليون ليرة، بينما تستنزف الفوائد نتيجة الاستدانة المباشرة أو القوانين الناظمة لضبط الطلب على الدولار في البلاد نحو 1.95 تريليون ليرة من الموازنة العامة.

 

وقام البنك المركزي التركي بمراجعة توقعاته للتضخم، رافعاً تقديراته لنهاية عام 2024 إلى 44% ، في إشارة إلى استمرار المخاوف بشأن استقرار الأسعار.
ورغم تحديد الحكومة عبر برنامجها الاقتصادي المتوسط الأجل، هدف 4% لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2025، بدت التوقعات الدولية أكثر تحفظاً، إذ توقّع صندوق النقد الدولي نمواً بمعدل 2.7%، مقابل 2.6% توقعات البنك الدولي، التي جاءت مطابقة لتوقّعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

كذلك، توقّعت الحكومة، وفقاً لبرنامجها المتوسط الأجل، أن يبلغ متوسط سعر صرف الدولار 42 ليرة عام 2025، فيما جاءت تقديرات المؤسسات المالية: 43.2 من قبل البنك المركزي التركي، و36 ليرة من قبل كريدي أغريكول، مقابل 43 ليرة لدويتشه بنك، و44 ليرة لغولدمان ساكس، و45 ليرة لـ جي بي مورغان.

 

وبالمثل، توقعّت الحكومة في برنامجها انخفاض نسب التضخم وصولاً إلى 17.5% لعام 2025، مقابل 21% من قبل البنك المركزي، و24% لصندوق النقد الدولي، و30.7% لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فيما توقّعت جي بي مورغان أن تبلغ نسبة التضخم 26%، مقابل 25.4% لدويتشه بنك.

 

ويركّز الخبراء الأتراك في تحليلاتهم على التحديات المقبلة التي ستتأثر تأثراً رئيسياً بارتفاع معدلات التضخم، وتقلب أسعار الفائدة، واستمرار ارتفاع الأسعار في مختلف القطاعات، محذّرين من أن تؤدي زيادة الرواتب إلى ضغوط تضخمية إضافية، نتيجة محاولة الشركات التكيّف مع زيادة تكاليف العمالة.

 

وبرغم التفاؤل الذي تبديه الحكومة بشأن إدارة الاقتصاد، تسود تخمينات مواجهة الفئات الضعيفة ضغوطاً اقتصادية متزايدة على التوقّعات المالية والاقتصادية لعام 2025.

 

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟