نتنياهو يتهرّب من قمة شرم الشّيخ: خشية من مواجهة الدّاخل والخارج

بين زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل، وحفاوة الاستقبال التي حظي بها في المطار والكنيست، والإعلان المفاجئ عن مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في "قمة السلام" في شرم الشيخ إلى جانب عدد من زعماء الدول العربية والإسلامية، أبرزهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم إلغاء الزيارة بعد أقل من ساعة من الإعلان عنها، تدور الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام.
استقبلت إسرائيل ترامب كضيف "فوق العادة"، وتنافس نتنياهو ورئيس الكنيست أمير أوحانا وزعيم المعارضة يائير لابيد في وصفه بأنه "أوفى الأصدقاء" و"أقرب الرؤساء" و"أفضلهم" بالنسبة إلى إسرائيل، حتى بدا كأنه "المخلّص" أو "المسيح المنتظر" لخلاص اليهود في العالم. بل إن ما قدّمه لإسرائيل من دعمٍ في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، لم يقدّمه أي رئيس أميركي سابق، بما في ذلك إنهاء الحرب وتوسيع دائرة الحلفاء الإقليميين من الدول العربية والإسلامية. فهو، بحسب الأوساط الإسرائيلية، من "أنقذ إسرائيل من نفسها" ومن سياسات نتنياهو التدميرية.
نال ترامب الذي خسر ترشيح جائزة نوبل للسلام قبل أيام، سلسلة من الهدايا الرمزية، فالرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ منحه "وسام الرئيس" الذهبي، فيما قدّم له نتنياهو "حمامة سلام ذهبية". وكأن اختيار اللون الذهبي في الهدايا جاء لتعويضه عن "الفرصة الذهبية" الضائعة، ليكون رجل السلام الذي أنهى – كما يدّعي – "ثماني حروب خلال ثمانية أشهر".
طموحات كبيرة
سعى نتنياهو إلى توظيف أدواته الإعلامية ومهاراته في تسويق زيارة ترامب، لتصويرها كنصرٍ خارق لم يحققه عسكرياً، بعدما فشلت أهداف حرب الإبادة التي شنها منذ عامين. أراد أن يبدو النصر بإنجاز صفقة التبادل التي وافق عليها مُكرهاً.
وبحسب ما كتبه عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس"، فإن "ترامب فرض وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى بعدما سئم من خدع نتنياهو ومماطلته، وشعر أن الحرب أصبحت خطراً على المصالح الأميركية. لكن لا ينبغي الاستنتاج أن إسرائيل حققت انتصاراً مطلقاً على حماس".
وأضاف أن "الأمور لا تنتهي هنا، فهناك أموال كثيرة وطموحات ضخمة على الطاولة. ويبدو أن ترامب يسعى إلى انطلاقة جديدة لمسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، إلى جانب إطلاق مشاريع بنى تحتية عملاقة في مجالات التكنولوجيا والسلاح، تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وعائلة ترامب بالدرجة الأولى".
أما الصحافي أبراهام غرينزيغ فكتب أن "بين إطلاق سراح الأسرى، واستضافة ترامب، وقمة شرم الشيخ، والزيارة التاريخية للرئيس الإندونيسي، لا ينبغي أن ننسى أن نتنياهو يحتاج أيضاً إلى الاستعداد للمحاكمة المستمرة ضده، وإعادة بناء صورته السياسية والإعلامية".
نتنياهو... "شرم الشيخ إكسبريس"
وتباينت آراء المحللين السياسيين الإسرائيليين حيال السبب الحقيقي لإلغاء مشاركة نتنياهو في قمة شرم الشيخ، فالبعض رأى أنه أراد تجنّب المواقف المحرجة خلال خطابات القادة العرب، أو تفادي اهتزاز ائتلافه الحكومي. فيما ذهب آخرون إلى أن نتنياهو ربما أراد تجنّب مصافحة الرئيس الفلسطيني، خصوصاً مع رغبة ترامب في تحقيق ذلك.
وقال المحلل السياسي في "القناة 12" الإسرائيلية محمد مجادلة: "نتنياهو سجّل موقفاً تجاه الدول العربية التي أرادت استقباله بعد حرب غير مسبوقة على غزة، ثم ألغى المشاركة، وهي إهانة لا مثيل لها. ولو شارك، لكانت المشاركة تأسيساً للسردية الجديدة التي سيبني عليها حملته الانتخابية وإرثه السياسي الجديد: بعد الحرب، حان وقت السلام".
أما المراسلة السياسية لـ"القناة 12" دافنا ليئيل، فلفتت إلى أن نتنياهو خشي على الأرجح من أزمة سياسية مع الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بسبب احتمال لقاء عباس أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكثر مما خشي من أزمة مع الأحزاب الحريدية (التي انسحبت سابقاً من الحكومة) بسبب "انتهاك قدسية العيد اليهودي" إذا شارك في المؤتمر. وأضافت أن "سموتريتش أعلن مسبقاً أنه لن يوافق حتى على تلميح بسيط يتصل بالسلطة الفلسطينية".
ورجّحت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن إلغاء مشاركة نتنياهو جاء بعد معارضة شديدة من دول عدة، وعلى رأسها تركيا، إذ "هدّد أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن طائرته لن تهبط في المطار إذا وصل نتنياهو إلى مصر".
وبحسب مسؤول إسرائيلي تحدث لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "من المرجّح أن نتنياهو وجد أن من المريح أكثر له ألا يحضر القمة، لأنه كان سيُطلب منه تقديم تنازلات، في حين أن استنتاج القمة سيكون أن الحل يكمن في إقامة دولتين، وبدء مفاوضات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو الأمر الأخير الذي لا يحتاج إليه نتنياهو الآن".