هل تل أبيب مستعدة لتخسر العالم كي تربح في غزة؟

تواجه إسرائيل اليوم أزمة ديبلوماسية متفاقمة، إذ تربح عسكرياً في غزة، لكنها تتكبد خسارة غير مسبوق على مستوى الدعم العالمي الذي كانت تتمتع به.
في الأيام التي أعقبت هجمات "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أضيئت أبراج إمباير ستيت وبرج إيفل وبوابة براندنبورغ باللونين الأزرق والأبيض لعلم إسرائيل. ولكن في غضون ما يقرب من عامين منذ ذلك الحين، أدى استمرار حملة إسرائيل في غزة إلى تآكل هذا التعاطف، ما يهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة، حتى بين حلفائها القدامى، فيما أسفرت الهجمات العسكرية في القطاع عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد مئات الآلاف وانتشار الجوع. كل هذا حدث في عصر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تظهر صور الدمار بانتظام على مليارات الهواتف في جميع أنحاء العالم، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
ويقول رئيس قسم الدراسات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة، لـ"النهار"، إن "إسرائيل اليوم محكومة بائتلاف ديني-يميني يربط استمراره بالتصعيد العسكري وإبقاء حالة الطوارئ قائمة، وهو ما يفسر تمسكها بنهج القوة برغم الكلفة السياسية والديبلوماسية المتصاعدة".
ويضيف: "هذا النهج يمنح الحكومة تماسكاً داخلياً ويحول دون أي مسار تفاوضي قد يُضعف قبضتها على السلطة أو يفتح المجال أمام خصومها. من هنا فإن استمرار الحرب ليس خياراً عابراً، بل جزء من إستراتيجية البقاء السياسي لهذا الائتلاف".
ويشير سلامة إلى أنه "في الوقت نفسه، ترى القيادة الإسرائيلية أن ما تحقق ميدانياً يشكّل فرصة تاريخية لتغيير قواعد اللعبة. فإضعاف القوى الفلسطينية، وتفكيك البنى العسكرية لغزة، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، كلها خطوات تعتبرها تل أبيب تحولات يصعب التراجع عنها مستقبلاً. بالنسبة لها، فإن أي حديث عن دولة فلسطينية يصبح بلا جدوى في ظل هذه الحقائق الجديدة على الأرض، وهو ما يضعف تماماً منطق التسوية السياسية على أساس حل الدولتين".
وكان الهجوم الذي شنته إسرائيل، الأسبوع الماضي، على القيادة السياسية لحركة "حماس" في قطر، أحدث خطوة مثيرة للجدل من قبل حكومة بنيامين نتنياهو، التي أصبحت أكثر جرأة في مهاجمة أعدائها، بغضّ النظر عن الرأي الدولي.
وأبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب "تعاطفه" مع الرغبة في القضاء على "حماس"، لكنه انتقد الهجوم بشدة. وقال الأسبوع الماضي: "ربما يكونون في طريقهم للفوز بالحرب، لكنهم لا يفوزون في عالم العلاقات العامة، وهذا يضر بهم".
كذلك أدانت ألمانيا وبريطانيا الغارة، وقالت كندا إنها "تقيّم علاقتها" مع إسرائيل.
يقول 60% من الأميركيين الآن إنهم لا يوافقون على العمل العسكري الإسرائيلي في غزة. ويقول 32% فقط إنهم يوافقون عليه، بانخفاض عن أكثر من 50% في الشهر الذي أعقب 7 أكتوبر.
في جميع أنحاء أوروبا، تسجل إسرائيل الآن معدلات تأييد منخفضة قياسياً. ويقول ما يقرب من نصف البالغين البريطانيين إن إسرائيل تعامل الفلسطينيين كما عامل النازيون اليهود في الهولوكوست.
وفي أواخر عام 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مستعينة بكلمات وزراء الحكومة الإسرائيلية كدليل إلى نية الإبادة الجماعية. حض نتنياهو، في رسالة إلى الجيش الإسرائيلي، على "عدم ترك أحد على قيد الحياة". وقال وزير الدفاع يوآف غالانت حينها إن إسرائيل "تحارب حيوانات بشرية".
ويخطط عدد من الدول الغربية الصديقة تقليدياً لإسرائيل، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وبلجيكا، للاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية. وقد اعترفت إسبانيا والنروج وأيرلندا بدولة فلسطينية العام الماضي. وعلّقت ألمانيا، ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل، بعض صادراتها من الأسلحة.
وأنهت عشرات الجامعات، معظمها في أوروبا، علاقاتها مع الجامعات الإسرائيلية.
وستجتمع الرابطة الأوروبية للإذاعة والتلفزيون في كانون الأول/ديسمبر للتصويت على طرد إسرائيل من "يوروفيجين". ودعت رابطة مدربي كرة القدم الإيطاليين إلى تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
أما على المستوى الإقليمي، فيقول سلامة لـ"النهار" إن إسرائيل تعتقد أنها حققت مكاسب إستراتيجية بارزة: ضرب مواقع وقدرات إيرانية حساسة، إضعاف "حزب الله" وحلفاء طهران بدرجات متفاوتة، وإحداث تغييرات كبيرة في سوريا واليمن وغزة. ومع وجود إدارة أميركية تُعتبر الحليف الأقوى لإسرائيل تاريخياً، ترى الحكومة الحالية أن اللحظة مؤاتية لتحقيق المزيد من المكاسب وترسيخ موقعها كقوة إقليمية قادرة على خدمة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ويشير سلامة في هذا الصدد إلى أن هذا الرهان يبقى محفوفاً بالمخاطر: "فبينما يزداد تآكل الشرعية الدولية والعزلة الديبلوماسية، يستمر الدعم الغربي ولكن مشروطاً، مع تزايد ضغوط الرأي العام والمؤسسات الدولية. الغرب، ولا سيما أوروبا، يضع خطوطاً حمراء جديدة، بينما تبقى الولايات المتحدة الضامن الأساسي. ومع ذلك، فإن إطالة أمد الحرب وتوسيع الاستيطان وتفاقم الكلفة الإنسانية قد تحوّل المكاسب العسكرية إلى أعباء سياسية وإستراتيجية، وتدفع إسرائيل إلى عزلة أكبر رغم قوة تحالفها مع واشنطن".
في حرب غزة، من الواضح أن إسرائيل لها اليد العليا في ساحة المعركة، لكنها تواجه صعوبات أكبر في ساحة الإعلام والديبلوماسية. استمر هجوم "حماس" ليوم واحد مقارنة بما يقرب من عامين من الرد العسكري الإسرائيلي، حيث تم استبدال الصور القليلة التي نشرت لـ"7 أكتوبر" في غضون أيام بصور الدمار والقتلى لنحو عامين. فإلى أي مدى يمكن لإسرائيل أن تواصل تحقيق مكاسب عسكرية بينما تخسر تأييد العالم، من دون أن تدفع في النهاية ثمناً سياسياً أكبر من أي نصر ميداني؟