زيارة لاريجاني إلى روسيا... إيران تبحث عن درعها الجوية
في توقيت بالغ الدلالة، وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى موسكو حاملاً رسالة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في زيارة قصيرة تزامنت مع انتهاء صلاحية الاتفاق النووي وعودة عقوبات الأمم المتحدة ضد طهران تحت آلية "سناب باك".
وتُقرأ الزيارة التي لم يُكشف عن مضمون رسالتها بعد، في سياق مسعى إيراني واضح لإعادة ترميم المظلة الاستراتيجية مع روسيا، وتحديداً على المستوى العسكري والدفاعي، في مواجهة مرحلة جديدة من الضغوط الغربية واحتمالات التصعيد مع إسرائيل مجدداً.
أهمية حضور لاريجاني في الكرملين
وتبرز أهمية حضور لاريجاني في الكرملين من خلال موقف موسكو الرافض عودة عقوبات مجلس الأمن ضد إيران. فقد أصدرت روسيا بياناً رسمياً بمناسبة انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن الرقم 2231، أعلنت فيه أن القيود والإجراءات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني لم تعد تتمتع بشرعية قانونية من الآن فصاعداً.
ويُظهر هذا الموقف الروسي تقارباً جديداً بين طهران وموسكو، يعتمد أكثر من أي وقت مضى على منطق مواجهة الضغوط الغربية والحفاظ على التوازن في المعادلات الإقليمية والدولية.
حرب الـ12 يوماً
خلال حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران (في حزيران/ يونيو 2025)، انتقد كثيرون من الإيرانيين روسيا لعدم تقديمها عوناً عسكرياً الى الجمهورية الإسلامية. ويبدو أن زيارة لاريجاني إلى موسكو تتصل بتعزيز التعاون العسكري، إذ يركّز المسؤولون الإيرانيون على إعادة بناء قدراتهم الدفاعية وتعزيزها، ولاسيما منها أنظمة الدفاع الجوي، تحسّباً لهجوم إسرائيلي محتمل جديد.
ورغم امتلاك إيران منظومات دفاع جوي قوية، فإن اتساع أراضيها يقلّل من فعالية هذه الأنظمة. فحماية أرض بحجم إيران التي تعادل مساحة أوروبا الغربية و70 مرة مساحة إسرائيل، تتطلب إلى جانب الأنظمة الدفاعية امتلاك طائرات مقاتلة متقدمة.
ولهذا السبب، فور انتهاء الحرب وبالتوازي مع زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى الصين، تداولت وسائل الإعلام أنباء عن سعي إيران إلى عقد اتفاق فوري لشراء 40 طائرة مقاتلة من طراز "جي-10".
ورغم عدم وجود معلومات مؤكدة حيال هذا الاتفاق مع الصين، فإن إيران كانت قد وقّعت سابقاً عقداً لشراء طائرات مقاتلة من طراز "سو-35" مع روسيا، وتسلّمت عدداً محدوداً منها، وتسعى الآن إلى تعجيل عملية التسليم.
وقبيل زيارة لاريجاني إلى موسكو، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالاً هاتفياً مع بوتين طالباً قطع العلاقات العسكرية الروسية مع إيران، إلا أن الأخير رفض هذا الطلب. ووفق مصادر مطلعة، فقد طلب نتنياهو من بوتين إبلاغ طهران أنه لا يسعى إلى الحرب.
أنظمة الدفاع الجوي الروسية
بالتوازي مع صفقة طائرات "سو-35"، يحتدم النقاش حول استلام أنظمة الدفاع الجوي "أس-400". فبينما أثبت نظام "أس-300" الذي حصلت عليه إيران سابقاً، كفاءة ضد الطائرات المقاتلة وصواريخ كروز المخفوضة الارتفاع، فإن نظام "أس-400" مطوّر لمواجهة الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية.
وسيؤدي تسلّم عدد كافٍ من أنظمة "أس-400" إلى تعزيز قدرات إيران الدفاعية ضد الهجمات الصاروخية الباليستية. فخلال الاعتداءات الثلاثة التي شنّتها إسرائيل على الأراضي الإيرانية في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر 2024، وخلال حرب الـ12 يوماً، لعبت الصواريخ الباليستية المحمولة جواً والمطلقة من الطائرات، ذات المدى الذي يتجاوز ألف كيلومتر، دوراً أساسياً في إضعاف الدفاعات الإيرانية. ومع تسلّم طائرات "سو-35" وأنظمة "أس-400"، سيصبح اختراق المجال الجوي الإيراني أكثر صعوبة.

تصريحات لافروف - ظريف
لكن تزامناً مع زيارة لاريجاني إلى موسكو ومساعي تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين، أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مقابلة مع مراسلي وسائل الإعلام العربية في موسكو في 13 تشرين الأول، ضد وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف، والردّ الشديد للأخير، موجة من الانتقادات في طهران على السياسة الروسية حيال إيران.
فقد قال لافروف إن "سناب باك" كانت منذ البداية "فخاً قانونياً" لإيران، وإن ظريف تعاون مع وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري لإدراج هذه الآلية في نص الاتفاق النووي.
وردّ ظريف، بالتزامن مع زيارة لاريجاني إلى موسكو، في تجمع بطهران مساء الخميس، بشكل عنيف على تصريحات لافروف، قائلاً: "روسيا بلد مهم في جوارنا، لكنها تضع خطين أحمرين: الأول، أن لا تكون لإيران علاقات هادئة مع العالم إطلاقاً. والثاني، أن لا تدخل إيران في صراع مباشر مع العالم".
وأضاف أن الروس، انطلاقاً من هذين الخطين الأحمرين، هم من أعلنوا عن الزيارة السرية لقاسم سليماني إلى موسكو عام 2015، وكشفوا لاحقاً عن إرسال الطائرات المسيّرة الإيرانية إلى روسيا خلال حرب أوكرانيا.
وقال أيضاً: "فور بدء المفاوضات الشاملة مع الغرب، بدأ الروس بلعبتهم، لأنهم كانوا يدركون أن نجاح الاتفاق النووي سيؤدي إلى تطبيع علاقات إيران مع العالم، وهذا التطبيع هو خط أحمر بالنسبة إليهم".
يُذكر أن ظريف كان قد أدلى بهذه التفاصيل ضد روسيا في مقابلة حصرية مع "النهار" الأسبوع الماضي، لكنه طلب حذفها في النسخة النهائية من المقابلة. غير أنه، بعد تصريحات لافروف ضده، قرّر الكشف عنها علناً رداً على الموقف الروسي.
نبض