أسبوع حتى عودة العقوبات ضد إيران... هل من خيار رادع؟

في 19 أيلول/ سبتمبر، لم يصوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار كان من شأنه أن يمنع عودة العقوبات الدولية ضد إيران. وكان القرار يحتاج إلى 9 أصوات مؤيدة، لكن روسيا والصين وباكستان والجزائر فقط صوّتت لمصلحة طهران.
وبالتالي، بعد أقل من أسبوع، ستعود العقوبات الدولية المرتبطة بالفترة التي سبقت عام 2015 وقرار مجلس الأمن الرقم 2231، الأمر الذي سيؤثر على الاقتصاد الإيراني ومعيشة الشعب. وعلى سبيل المثال، وبعد ساعات قليلة من التصويت في مجلس الأمن، شهد الدولار والذهب في إيران ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار.
أوروبا ترفض اقتراحاً إيرانياً
قدّمت إيران في 18 أيلول، أي قبل جلسة مجلس الأمن بيوم، اقتراحاً للولايات المتحدة و"الترويكا الأوروبية" (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، مفاده استعدادها لاستخراج 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب المدفون تحت الأنقاض جراء هجمات أميركية، وتخفيفه أو تدميره تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، في مقابل ضمان أميركي بعدم شن هجمات جديدة على إيران وتعليق آلية "السناب باك" (آلية الإرجاع التلقائي للعقوبات) لمدة لا تقل عن ستة أشهر. غير أن أوروبا رفضت هذا الاقتراح، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إنّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي "لا يمثّل النظام الإيراني كاملاً"، وإن اقتراحه "يفتقر إلى ضمانات تنفيذية". أما الولايات المتحدة فلم تُبدِ أي رد فعل حتى الآن.
وفي حال فَشَل المسار الديبلوماسي وعودة العقوبات، يظل احتمال أن تُقدِم إسرائيل، بالتزامن مع الذكرى السنوية لهجوم "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على مغامرة عسكرية ضد إيران، مما قد يؤدي إلى توتر جديد في المنطقة. وقد كثف المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم ضد الجمهورية الإسلامية خلال الشهرين الماضيين بعد وقف الحرب التي استمرت 12 يوماً، بل إنهم ادعوا أن اغتيال أحد قادة الجمهورية الإسلامية كان هدفاً رئيسياً لهم، لكن الظروف لم تسمح بتنفيذه.
مخاوف اقتصادية وأمنية
يشعر المجتمع الإيراني، وخصوصاً النشطاء الاقتصاديين، بقلق بالغ من عودة العقوبات التي قد تؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي، وزيادة التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع الصادرات، ولا سيما منها النفط. ولم تفلح التصريحات الرسمية ووسائل الإعلام الموالية للحكومة، التي تؤكد أن عودة العقوبات لن تترك أثراً كبيراً على الاقتصاد، في تهدئة هذه المخاوف، إذ يرى الإيرانيون أن اقتصاد بلادهم شديد التأثر بالتطورات السياسية.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إن تجربة السنوات الـ15 الماضية أوجدت بدائل ووسائل لتقليص أثر العقوبات، مؤكدين أن عقوبات ما قبل القرار 2231 أقل وطأة من العقوبات الأميركية. ومع ذلك، يشعر المواطنون بقلق من تهديدين رئيسيين: أولاً، تفجّر أزمة اقتصادية جديدة، وثانياً، اندلاع حرب محتملة، ما يجعل البحث عن مخرج من هذا المأزق مطلباً ملحاً.
ردود الفعل الإيرانية الرسمية
بعد يومين من جلسة مجلس الأمن، حذّر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من أن ممارسات الدول الأوروبية ستؤدي عملياً إلى تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (المنتخب في تموز/ يوليو 2024 بعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث طائرة)، إن هذه الضغوط لن تقضي على المعرفة النووية الإيرانية.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، دعا بعض أنصار النظام إلى إجراء تجربة نووية إذا كان ذلك ممكناً، معتبرين أن الغرب لا يسعى إلى تسوية مع إيران.
كما أعلن نائب وزير الخارجية كاظم غريب أبادي أنه في حال تفعيل آلية "السناب باك"، فإن اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة سيُلغى. أما سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، فقال: "بدلاً من قبول الطريق العقلاني، اختارت الولايات المتحدة و"الترويكا الأوروبية" التصعيد والضغط والتفرقة. هذا التناقض بين أقوالهم وأفعالهم يثبت أن نيتهم ليست الديبلوماسية، بل مفاقمة الأزمات، وعليهم الآن تحمّل مسؤولية الوضع الذي صنعوه بأيديهم".
وليلة جلسة مجلس الأمن، أعلن النائب محسن زنغنة عن تجربة ناجحة لأول صاروخ قاري إيراني، ما يعكس احتمال أن تتجه طهران نحو مواقف أكثر تشدداً إذا لم تُفتح أمامها أبواب التفاوض خلال هذا الأسبوع.
فرصة أخيرة للتفاوض
في المقابل، يرى آخرون في إيران أن الحل يكمن في التفاوض مع الولايات المتحدة لتخفيف التوتر، ويعتبرون أن الفرصة الأخيرة هي مشاركة بزشكيان في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، بحيث يمكنه استغلال المناسبة للقاء المسؤولين الأميركيين والتوصل إلى تفاهم يوقف مسار التصعيد.
ويُذكر أنه في عام 2019، حين كان حسن روحاني رئيساً، حاول ماكرون الترتيب للقاء بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، لكن روحاني تلقى في اللحظة الأخيرة رسالة من طهران تفيد بأنه غير مخوّل التفاوض مع ترامب.
وعليه، تبدو خيارات الجمهورية الإسلامية محدودة للغاية، فيما أغلقت الولايات المتحدة وأوروبا معظم قنوات الديبلوماسية معها. والنتيجة المتوقعة لهذا المسار هي مزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، ما لم تحدث تطورات غير متوقعة تغيّر هذا الواقع الهش نحو الانفراج.