المواجهة بين حكومة بزشكيان ومجلس الشورى إلى احتدام: إقالة وزير الاقتصاد لن تكون الأخيرة

بعد انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً تاسعاً لإيران، بدا أن أحد التحديات التي سيمرّ بها، هو مجلس الشورى في دورته التاسعة والذي يهيمن عليه الأصوليون والمحافظون المعارضون للحكومة. ولم تمض إلا ستة أشهر على عمر الحكومة الجديدة في إيران حتى أظهر هذا البرلمان، من خلال استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، أنه جاد في معارضته الحكومة، وأن شعار "الوفاق الوطني" الذي رفعه بزشكيان لم يستطع إقناعهم بالتماشي مع حكومته. والأصوات الـ 182 التي وافقت على سحب الثقة من وزير الاقتصاد البالغ من العمر 67 عاماً في الجلسة التي عقدت يوم الثاني من آذار/مارس، دليل على ذلك، وأظهرت أن ثمة أهدافاً سياسية مهمة تقف خلف الأسباب الاقتصادية التي طرحت لتنفيذ الاستجواب.
واتهم النواب همتي بإدارته الخاطئة للاقتصاد والتي أدت إلى ارتفاع أسعار صرف العملة الأجنبية وتراجع قيمة العملة الوطنية، لكن النواب الـ 89 الموافقين على بقاء همتي في منصبه، ووسائل الإعلام الموالية للحكومة، رأوا أن جهوده لخصخصة شركة "إيران خودرو" بصفتها أكبر شركة لإنتاج السيارات في إيران والتي تبلغ قيمتها 10مليارات دولار، وتحرير سعر العملة الأجنبية وحذف الامتيازات الحكرية الخاصة بالعملة الأجنبية عن بعض الشبكات صاحبة النفوذ السياسي والاقتصادي، تشكل الأسباب الرئيسية لإقالته. وبمعزل عن صحة أي من المزاعم والأسباب، يمكن ذكر سببين أساسيين ساهما في إقالة هذا الاقتصادي والسياسي القديم.
الأول يعود إلى الرؤية السياسية للوزير الذي سُحبت منه الثقة. إن عبد الناصر همتي الذي شغل مدى 40 عاماً مناصب مهمة في الدولة بما فيها منصب المساعد السياسي لهيئة الاذاعة والتلفزيون الإيرانية والمدير التنفيذي لبنك "ملي إيران" ورئيس الشركة المركزية للتأمين ورئيس البنك المركزي، قريب سياسياً من حزب "كوادر البناء" الإيراني، وهو الحزب الذي يرى أن تنمية إيران رهن التعامل والتواصل الجيدين مع الدول الغربية، لا سيما منها الولايات المتحدة. وقد أعلن همتي الذي ترشح للانتخابات الرئاسية قبل ثلاث سنوات، وبصفته وزيراً للاقتصاد خلال الأشهر الستة الماضية، مراراً أن مفتاح حلحلة المشكلات الاقتصادية في إيران والتغلب على عجز الموازنة يكمن في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وأن هذا الهدف لن يتحقق من دون اعتماد الانفراج في السياسة الخارجية وتحسين العلاقات مع القوى الغربية المهمة بما فيها الولايات المتحدة. وهذه الرؤية تقف على وجه التحديد، على طرف نقيض من رؤية الغالبية التي تستحوذ على البرلمان الأصولي والتي ترى، امتثالاً للمرشد الأعلى علي خامنئي، أنه لا تجب المراهنة على الاستثمارات الأجنبية والدخول في مفاوضات وإقامة علاقات مع واشنطن من أجل معالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد. ويذهب معارضو همتي إلى أنه، في ضوء قراراته التي أسفرت عن ارتفاع أسعار صرف الدولار والذهب، كان ينوي دفع النظام السياسي الى إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، لذلك فإن وجود شخص كهذا على رأس اقتصاد البلاد، ليس في مصلحة الجمهورية الاسلامية.
والسبب الآخر لإقالة همتي يعود إلى الحكومة ورئيس الجمهورية شخصياً. فالتيار المتطرف الموجود في البرلمان، ينتمي إلى "جبهة الصمود" التي غضبت غضباً شديداً بعد وفاة إبراهيم رئيسي وهزيمة سعيد جليلي المدوية في الانتخابات الرئاسية المبكرة، وهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لدفع حكومة بزشكيان نحو الاستقالة، لكي تتوافر ثانية فرصة إمساكها بمقاليد السلطة. إن هذا التيار وتحت شعار "التطهير السياسي" – الذي يشبه المكارثية في أميركا في عقد الستينات من القرن الماضي - ينوي إعطاء كل المناصب السياسية والاقتصادية ومراكز صنع القرار، للمنتمين إليه حزبياً، وأن السبيل لنيل هذه الغاية يكمن في إضعاف حكومة مسعود بزشكيان وبالتالي إسقاطها قبل أن تكمل فترتها القانونية المتمثلة في أربع سنوات.
وعليه، يبدو أن استجواب وزير الاقتصاد لن يكون آخر استجواب لوزراء الحكومة، بل إن وزراء آخرين مدرجون على قائمة الاستجواب والإقالة. وكان هذا التيار قد نادى في الأشهر الماضية بتنحية محمد جواد ظريف من منصب المساعد الاستراتيجي لرئيس الجمهورية أيضاً، وهو المنصب الذي استقال منه فعلاً قبل يومين. ومع إقالة همتي، أظهر البرلمان الأصولي أنه غير مهتم بشعار "الوفاق" الذي ترفعه حكومة بزشكيان، وقد تشتد وتيرة المواجهة بين البرلمان والحكومة في الأشهر المقبلة.
ويُذكر أن حكومة بزشكيان، على خلفية افتقادها خطة منسجمة في المجالات المختلفة، لا سيما منها الاقتصاد، وتراجعها عن الوعود التي قطعتها بما فيها تحسين العلاقات مع واشنطن ورفع الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي، باتت تبتعد يوماً بعد يوم عن الجماهير وتوفر فرصة أنسب لمعارضيها للإجهاز عليها. وبالأحرى، كلما ابتعدت حكومة بزشكيان عن الوعود التي نجحت بموجبها في الفوز بـ 50 في المئة من أصوات الناخبين، وتخسر مكانتها الاجتماعية، سيكون هجوم المعارضين السياسيين والحزبيين عليها، أكثر ضراوة وأثراً، لتشكل إقالة وزير الاقتصاد بداية لهذا المسار.