إيران أمام خطر مواجهة صدمة روسيّة جديدة

لم تتمكن روسيا وإيران اللتان اضطلعتا بدور فاعل في العملية التي أفضت إلى سقوط النظام السوري، من التصرف على غرار الأعوام الـ 14 الماضية، في دعم بشار الأسد وبقائه في الحكم. والأمر الوحيد الذي أنجزته روسيا تمثّل في الانتقال الآمن للأسد إلى اللاذقية ومنها إلى موسكو. وفي ذلك الحين، أثيرت تكهنات بأن روسيا اتفقت مع أميركا وتركيا وراء الكواليس لنقل السلطة بأقل الأثمان في دمشق لمصلحة معارضي النظام، وتركت إيران تتخبط وحدها.
وكانت إيران تدعم نظام الأسد ميدانياً، أما الدعم الروسي العسكري فكان يركّز على الجو، بيد أنّ ذلك لم يحصل خلال التطورات الأخيرة، وسقطت السلطة في نهاية المطاف بأيدي المعارضة بقيادة زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع.
وشكّل هذا الفصل الأول للسياسة الجديدة لروسيا تجاه إيران، الأمر الذي لم يحظ برضا طهران. وفي الفصل الثاني، الذي بدأ عقب وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في أميركا، تصدّر وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا جدول أعمال البيت الأبيض.
وفي هذا السياق، أُقرّ اتفاق الهدنة في القطاع الفلسطيني سريعاً قبل أن يصل الدور إلى أوكرانيا. وأظهرت مواقف ترامب وباقي المسؤولين الأميركيين ضد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعدم توجيه الدعوة إلى كييف لحضور محادثات السلام في الرياض، والدعم الأميركي الصريح لانفصال 4 محافظات شرق أوكرانيا بما فيها منطقة دونيتسك الغنية بالمعادن لمصلحة روسيا، أنّ واشنطن وموسكو توصلتا خلف الكواليس، إلى اتفاق كبير بشأن أوكرانيا.
ويُقال إنّ الولايات المتحدة أنفقت على مدى السنوات الثلاث من الهجوم الروسي على أوكرانيا قرابة 18 مليار دولار لحساب كييف، فيما أظهرت استدارة واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة بأنها باتت تهدف إلى تحقيق مكاسب أكبر، لدرجة أن خلافاً جاداً اندلع بين الاتحاد الأوروبي وأميركا بشأن ذلك، لا سيما بخصوص انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن أوروبا يجب أن تفكّر باعتماد سياسة مستقلة عن أميركا.
وقد استُكملت هذه العملية، من خلال التصويت الأميركي المعارض لقرار ضد روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 شباط / فبراير، والذي أظهر أن واشنطن تنسجم مع موسكو بالكامل في ما يخص القضية الأوكرانية. لكن اللافت أن أميركا، لا سيما خلال رئاسة ترامب، ليست مستعدة لعقد صفقة كهذه مع روسيا من دون الحصول على تنازل أو تنازلات قيّمة، فالعلاقة الجيدة القائمة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غير كافية لفعل ذلك.
وعليه، تسود تكهنات لدى بعض المحللين الإيرانيين، بمن فيهم أحمد زيد أبادي، عن استعداد روسي لسحب البساط من تحت قدمي إيران مجاراة لأميركا في قضايا سوريا وغزة ولبنان، وللاستجابة للرؤية الأميركية، مقابل مواقف واشنطن الداعمة لموسكو.
بيد أن التكهنات المتشائمة والأكثر خطورة تصل إلى الحد الشك بأنّ روسيا مستعدة لتقديم معلومات عسكرية استراتيجية تخص إيران إلى أميركا وإسرائيل لاستخدامها في أي هجوم عسكري محتمل على الجمهورية الإسلامية. ولم تُنشر حتى الآن أي معطيات جدية تؤكد أو تدحض هذه التكهنات، وقد لا تُنشر، غير أن الجلي هو أن أميركا وروسيا تقتربان من إبرام صفقة ضخمة تكون إيران على الأرجح إحدى بنودها، وأحد محاور هذا الاتفاق يمكن أن يكون ممارسة أقصى الضغوط على طهران لقبول الشروط الأميركية بشأن أنشطتها النووية.
وكان العديد من الخبراء الإيرانيين قد حذروا منذ سنوات من أنه لا يجب تضخيم سياسة "لا غربية" في الجمهورية الإسلامية، والارتكان فقط على التوجّه شرقاً، ومثلما تقاعست الصين في الولاية الرئاسية الأولى لترامب عن تسديد مستحقات إيران من مبيعات النفط لها، فإن روسيا قد تفضّل في ولاية ترامب الثانية مصالحها الخاصة، بما فيها رفع العقوبات، على التعاون الثنائي مع إيران. وعليه، تُترك طهران تواجه وحدها السياسات العدائية الأميركية. ويمكن تقييم زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران الثلاثاء، في هذا السياق، أي الاستجابة للمخاوف الإيرانية.