ربما حان وقت التخلي عن شعار "الدب الروسي" في الأدبيات السياسية.

أسبابٌ عدة تبرر ذلك. أولها أنه استُهلك كثيراً.

وثانيها أنه ليس حتى الشعار الرسمي للدولة الروسية. أوروبا هي التي ربطت روسيا بالدب. بدأت الأسطورة مع ديبلوماسي نمساوي كتب في القرن السادس عشر أن الدببة تقتحم القرى في الشتاء فتدفع المزارعين إلى الهرب من منازلهم والموت برداً. كذلك، كان التجار الإنكليز يسوّقون لمنتوجات روسية مستخرجة من شحم الدب على أنها تعالج تساقط الشعر، بما أن الدب نفسه كثيف الشعر.

إتقانٌ باكر لفنون "الدعاية".

السبب الثالث حديث العهد

عندما استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة، سادت توقعات بموافقة الإدارة على نقل صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا. لكن الأجواء كانت قد تغيرت بعد اتصال هاتفي دام ساعتين بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس. لم يكن الأمر مفاجئاً. ففي كل مرة تبدو روسيا على حافة الهاوية، يُجري بوتين اتصالاً أو يعقد قمة مع ترامب فيعود الرئيس الأميركي سريعاً إلى المربع الأول.

إذا كان لا بد من تشبيه أو استعارة سياسية هنا لتوصيف سياسة روسيا، فنمر الثلج يفي بالغرض أكثر من الدب. تشتهر نمور الثلوج التي تنتشر في أواسط آسيا بأنها تستطيع اللعب على حواف الجروف الصخرية، من دون أن تقع. هي تتنقل برشاقة في أصعب الأماكن على وجه الأرض، وكأنها تتحدى الجاذبية. بالسهل الممتنع، تتحدى روسيا قوانين ترامب، أو بالأحرى تهديداته، في اللحظة الأخيرة. وترامب نفسه يجعل هذا التحدي سهلاً.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. (أ ف ب)

في كتابه "حرب" (تشرين الأول/أكتوبر 2024)، يذكر الصحافي الاستقصائي بوب وودورد أنه بعد انتهاء ولايته الأولى، اتصل ترامب ببوتين ما لا يقل عن 7 مرات. وذكر الكتاب أيضاً كيف أرسل ترامب أجهزة طبية لبوتين مهمتها كشف إصابة محتملة بفيروس "كوفيد-19". نفى مستشار ترامب حينها تلك الاتهامات. لكن سلوك ترامب لا يساعد النفي كثيراً. في جميع الأحوال، تطرح "فترة السماح الاستثنائية" أسئلة عن أسباب تساهل ترامب شبه المطلق مع بوتين. فحتى حليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خضع لتعامل مزدرٍ من الإدارة الأميركية أكثر من مرةهذه السنة.

إنجازات بالجملة

بمكالمته الهاتفية، تمكن بوتين مبدئياً من إقناع ترامب بعقد قمة في بودابست، مع ما للعاصمة المجرية من رمزية تاريخية سيئة لأوكرانيا والغرب. فهي المكان الذي تعهدت فيه روسيا قبل 31 عاماً باحترام السيادة الأوكرانية بعد تخلي كييف عن أسلحتها النووية، والمكان الذي وعدت فيه أميركا أوكرانيا وجورجيا بالانضمام المبهم زمنياً إلى حلف الناتو، أي بدون منحهما "خطة عمل العضوية".

وذكرت "فايننشال تايمز" أن ترامب طلب من زيلينسكي الجمعة، وبشكل غاضب، تسليم كامل دونباس لبوتين لأن الأخير هدد بـ"تدمير" أوكرانيا. وقال مسؤولون أوروبيون للصحيفة إن ترامب كرر نقاط بوتين حرفياً، حتى أنه ناقض كلامه مؤخراً عن ضعف روسيا. نجح الأوكرانيون في نهاية المطاف بإقناعه بطلب وقف الحرب عند الخطوط الحالية. من جهته، قال ترامب الأحد إنه لم يطلب من كييف التنازل الكامل عن دونباس. ونقلت "بوليتيكو" أجواء أقل حدة، لكن الخيبة كانت نفسها.

لم تصل "توماهوك" إلى أوكرانيا هذه المرة. ولن تصل في أي مرة على الأرجح. لكن إذا صحت أخبار "فايننشال تايمز"، فقد يكون عدم الحصول على الصواريخ أسهل هواجس كييف في المرحلة المقبلة.