خطر محدق... أوروبا في منزلة بين منزلتين

المراحل الانتقالية خطيرة على الدول، وأخطر على التكتلات العابرة للدول. هذا هو وضع أوروبا اليوم. تدور الحرب على أراضيها وهي أضعف من الدفاع عن نفسها. حاجتها للحماية الأميركية ملحّة، بينما تنسحب أميركا تدريجياً من هذه المهمة. إذاً تنتقل أوروبا من مرحلة الاتكال على الأميركيين إلى مرحلة الاتكال على نفسها. وهذه المنزلة بين المنزلتين مقلقة.
يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقد صفقة سلام بين روسيا وأوكرانيا. تدرك أوروبا أن ترامب غير مهتم بتفاصيل الصفقة، مما يرفع احتمالات فشلها في المستقبل. وحذر قادة أوروبيون من أن روسيا قادرة على إعادة بناء جيشها بحلول نهاية العقد الحالي أو بداية العقد المقبل.
إنجازات
ساهم الأوروبيون مؤخراً في تحقيق ثلاثة أهداف: منعوا القمة الثانية بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من التحول إلى نسخة عن القمة الفوضوية الأولى، وبالتالي، حجّموا مفعول قمة ألاسكا كي لا تتحول إلى سلسلة تنازلات لروسيا. الهدف الثالث الذي تحقق هو إقناع ترامب بمنح، أو بشكل أدق، بمباركة ضمانات أمنية لأوكرانيا. ستخاطر أوروبا بنشر قوات لها على الأراضي الأوكرانية وهي تستند إلى وعد أميركي بتوفير "شبكة أمان"، جوية بشكل محتمل. لكن بالإمكان ملاحظة كيف أن الأهداف المحققة قابلة للانهيار في أي لحظة.
فنجاح القمة الثانية بين ترامب وزيلينسكي ليس ضمانة ضد عودة ترامب إلى الإصغاء لنظيره المفضل فلاديمير بوتين. لقد تنازل له عن ضرورة وقف إطلاق النار قبل محادثات السلام. ومن المرجح أن يتنازل أيضاً عن ضرورة عقد قمة بين بوتين وزيلينسكي. باختصار، لا يزال "بيع أوكرانيا" احتمالاً قائماً، حتى بلا همس من بوتين. يكفي أن ترفض أوكرانيا التخلي عما تبقى من أراض غير محتلة في دونيتسك، حتى يغضب ترامب.
خطر آخر
وبافتراض تفادي الأسوأ، ستظل قدرة أوروبا على حشد عدد كافٍ من القوات الضامنة محدودة جداً. تمتد الحدود بين روسيا وأوكرانيا على أكثر من ألف كيلومتر وهي بحاجة إلى ما بين عشرات الآلاف وأكثر من مئة ألف جندي لحمايتها (الرقم الأعلى من اقتراح زيلينسكي). وقال وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديبول إن بلاده قد لا تملك ما يكفي لإرسال جنود إلى أوكرانيا، وحتى بريطانيا المتحمسة لهذه المهمة قد لا يكون وضعها اللوجستي أفضل بكثير بحسب "المعهد الملكي للخدمات المتحدة". إذاً، ماذا لو أتى الأوروبيون إلى واشنطن للاعتراف بأنهم عاجزون عن تأمين "قوات ضامنة" في أوكرانيا؟ اللامبالاة هي أول ما يمكن توقعه من ترامب.
ومن المشاكل التي تواجهها أوروبا، بحسب جنان غانيش من "فايننشال تايمز"، أن ترامب ترك القارة العجوز معلقة، فهو لم يتخلّ عنها تماماً ولم يلتزم بها تماماً، مما يضعف جهودها لتحقيق استقلاليتها العسكرية. مجدداً، إنها خطورة المرتبة الوسطى.
حتى في الشكل
إذاً، تخشى أوروبا السلام الترامبي في أوكرانيا لأنه يعني حرباً مؤجلة، لكنها تخشى أكثر الانسحاب الترامبي من الملف لأنه سيعني أن على أوروبا تدبر الأمور بنفسها الآن. أرقام القوة الأوروبية غير مشجعة. وحتى لو كانت كذلك، تتبقى عقبة حشد الموارد وتنسيقها. ففي نهاية المطاف، ليس الاتحاد الأوروبي منظمة دولية، ولا دولة فيدرالية. تترتب عليه مسؤوليات جماعية أكبر من مسؤوليات المنظمة، وقدرة تعبئة أقل من القدرة المتاحة لأي دولة. حتى شكل الاتحاد (sui generis) يقع في منزلة بين منزلتين.