2025: هل تبقى ألمانيا رجل أوروبا المريض اقتصادياً؟
الاقتصاد الألماني لا يسير على ما يرام، والعديد من الصناعات في مزاج سيّىء وباتت مهددة وتكافح من أجل الاستمرار، بدءاً من صناعة السيارات، إلى إغلاق مصانع كيمياويات وتراجع مبيعات التجزئة.
مزاج سيّئ
تفيد التقارير الاقتصادية بأن عام 2025 لن يحمل نهاية الأزمة، ومن غير المرجح أن يكون أفضل حالاً من عام 2024؛ ففضلاً عن الأزمات الداخلية، تشير التقديرات إلى أن الشركات الألمانية، ومع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستواجه تعريفات جمركية إضافية، وهذا ما سيؤدي إلى تعقيد الأعمال في السوق الأجنبية الأكثر أهمية لألمانيا، ناهيك بغياب الأمان لدى المستهلكين وبما ستحمله الموازنة العامة 2025 التي سيتأخّر البت بها حتى وقت طويل من العام الجديد، بعد حلّ البوندستاغ الأسبوع الماضي، ودخول البلاد في مرحلة التحضير للانتخابات العامة المبكرة نهاية شباط (فبراير) 2025.
ومع تعدد الاعتبارات، أبرز مدير معهد الاقتصاد الألماني، ميشائيل هوثر، أن ألمانيا ستستمر بالمعاناة من حالة الركود، ولن يكون هناك تحوّل في اقتصادها، لافتاً إلى أن 31 من أصل 50 جمعية واتحاداً من القطاعات الإنتاجية التي طالها استطلاع، أجراه المعهد، ساءَ وضع صناعاتها خلال عام 2024، ولم تسلم سوى الصناعات الدوائية وقطاع التأمين.
ويتوقع المعهد أن يصل متوسط عدد العاطلين من العمل إلى 2,9 مليون شخص عام 2025، وسيبدو مسار سوق العمل أسوأ، مما سينعكس تقلصاً في القدرة الشرائية للأفراد، ثم في الاستهلاك.
تحوّلات اقتصادية وأمنية
وعن الأزمات، التي يعيشها الاقتصاد الألماني، قالت الباحثة في الشؤون الاقتصادية والضريبية أنالينا بوك لـ"النهار" إن العديد من التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية ساهمت في تقليص دور ألمانيا المحوري والتنافسي في القطاعات الصناعية، وإن الكثير منها لم تعد استراتيجية، مصوبة على الغياب التدريجي للابتكار وهو الميزة التي أعطت ألمانيا سمعة عالمية. من جهة ثانية، وفي ظل التوقعات بأن لا يحقق النمو أكثر من 0,1% في العام 2025، لفتت بوك إلى أن ألمانيا ستكون من دون نمو ملحوظ للعام الثالث على التوالي، ومن الطبيعي أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي بالانخفاض أيضاً.
هجرة الشركات
في ضوء هذه البيانات والأرقام، يسود شبه إجماع لدى الاقتصاديين على أن الأسباب الرئيسية للتراجعات التي طالت الاقتصاد الألماني داخلية، أولاً بفعل التباينات السياسية بين أطراف ائتلاف إشارات المرور بقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي، ومشكلة النقص في الاستثمارات، والتقاعس في رفع مستوى البنية التحتية، وعدم خلق حوافز ضريبية للشركات لزيادة الاستثمارات. وقد برز رحيل منشآت إنتاج إلى دول الجوار، وبالأخص إلى شرقي أوروبا. أمام ذلك، تبدو الخشية واضحة لدى الرابطة الفيديرالية لتجارة الجملة والتجارة الخارجية والخدمات من تزايد هذا النوع من الهجرات عند الشركات الكبرى.
هذا الواقع دفع غرفة التجارة والصناعة الاتحادية إلى الحديث عن أزمة بنيويّة، لأن الظروف الإطارية الحاسمة في ألمانيا لم تعد قادرة على المنافسة، وبعدما أضحت الشركات في البلاد تتعامل مع الكثير من الأعباء الجديدة والكثير من التدخلات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، وبغياب تدابير سياسية هادفة، رغم الحاجة الماسّة إلى بنية تحتية رقمية موثوقة وآمنة. ووفق الغرفة، تخطط حوالي ثلث الشركات لخفض استثماراتها، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى النمو المستقبلي.
الاستثمارات الموجّهة
وحذرت رئيسة المجلس الاقتصادي والاستشاري مونيكا شنيتزر من تغييب الإصلاحات، لأن ذلك يحد من الرخاء، معتبرة أن كبح جماح الديون "مهم للغاية"، ومشيرة إلى أن الأهمية الخاصة لإصلاح نظام كبح الديون تتلخّص بالنص القانوني الذي يقضي بأن الأموال الأضافية سوف تنفق حصرياً على الاستثمارات الموجهة نحو المستقبل مثل الدفاع والبنية التحية والتعليم، وبالتالي لا ينبغي استخدامها لمعاشات تقاعدية.
ألمانيا في وضع سيّئ دولياً
تبيّن نظرة إلى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو أن ألمانيا في وضع سيّئ مقارنة بالدول الأخرى، فقد نما ناتج هذه الدول بنسبة 0.9% في الربع الثالث من العام 2024 مقارنة بالعام السابق، وبالتالي كان أقوى بكثير من الناتج المحلي الألماني الذي ارتفع بنسبة 0.1% فقط. ومن المرجح أن يكمل نمو الاقتصاد في منطقة اليورو عام 2025 بشكل أسرع مقارنة بألمانيا، وهذا ما بيّنه أيضاً معهد الاقتصاد الذي يفيد بأن يكون الاقتصاد أكثر ضعفاً مقارنة باقتصادات الدول المتقدّمة، والتي سيرتفع فيها الناتج الاقتصادي بنسبة 1.8% في حين سينخفض في ألمانيا بنسبة 0.2%. ومع كل هذه الأرقام يمكن الاستنتاج أن ألمانيا ستبقى مرة أخرى رجل أوروبا المريض اقتصادياً.
نبض