رغم علاقته المتذبذبة مع علييف... لماذا أحبط بوتين محاولة الانقلاب في أذربيجان؟

آسيا 21-10-2025 | 06:45

رغم علاقته المتذبذبة مع علييف... لماذا أحبط بوتين محاولة الانقلاب في أذربيجان؟

يمكن فهم تدخّل بوتين لمنع الانقلاب من خلال 3 سيناريوات رئيسية.
رغم علاقته المتذبذبة مع علييف... لماذا أحبط بوتين محاولة الانقلاب في أذربيجان؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف. (وكالات)
Smaller Bigger

قالت وسائل إعلام أذربيجانية وروسية إن محاولة انقلاب كان من المقرر تنفيذها في أذربيجان من قبل رئيس مكتب الرئاسة السابق راميز مهدييف، قد أحبطت في اللحظة الأخيرة بفضل تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووفق تقارير وكالة الأنباء الأذرية (APA) وصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية، فإن مهدييف حاول استغلال التوتر بين موسكو وباكو، وأبلغ المسؤولين الروس بخطة الانقلاب عبر علاقاته السابقة، طالباً دعم روسيا في تنفيذها.


وبحسب المعلومات المتداولة، فإن مهدييف كان يخطط لتولّي السلطة عبر إنشاء هيئة موقتة لإدارة المرحلة الانتقالية يكون هو على رأسها، لكن إبلاغ الطرف الروسي للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أفشل العملية التي انتهت بتوقيف مهدييف وفتح تحقيق ضده بتهم التآمر للاستيلاء على السلطة وخيانة الوطن.



الكاردينال الرمادي وراء الستار

تشهد أذربيجان أخيراً صراعات متفرّعة بين أجنحة السلطة، إذ تشير مصادر ميدانية إلى تزايد الضغوط داخل أجهزة الدولة، خصوصاً جهاز الأمن الوطني، نتيجة سياسات علييف في إدارة ملفّي الأمن والاقتصاد، بالإضافة إلى التنافس المستمر بين المسؤولين الكبار على النفوذ والموارد.


بعد المصالحة الفاترة بين علييف وبوتين في دوشنبه، ومع عودته إلى باكو، أطلق الرئيس الأذربيجاني حملة اعتقالات واسعة، يُعتقد بأنها جاءت بناءً على معلومات زوّده بها نظيره الروسي، كنوع من "إظهار حسن النيّة" وتعويضاً عن إسقاط الدفاعات الجوية الروسية طائرة الركّاب الأذربيجانية بصاروخ خاطئ أطلقته الدفاعات الجوّية التابعة لموسكو في كانون الأول/ديسمبر 2024.


مهدييف، المتّهم بالتخطيط للانقلاب والبالغ من العمر 87 عاماً، يُعرف في البلاد باسم "الكاردينال الرمادي"، وكان حتى زمنٍ قصير يدير كل شيء في أذربيجان من خلف الكواليس، وبقي رئيس إدارة الرئاسة الأذربيجانية لسنوات طويلة، منذ عام 1995 إلى 2019، ليُعفى من منصبه ويُعيَّن رئيساً للأكاديمية الوطنية للعلوم.


اعتُبر إبعاد مهدييف عن إدارة الرئاسة نقطة محورية، خصوصاً أنه حصل قبيل حرب ناغورني كاراباخ عام 2020، وترافق مع تطهير عدد من الشخصيات المقربة منه قبل الحرب وبعدها، إذ حصلت أيضاً تغييرات كبيرة في الجيش والإدارة العسكرية، مثل تعيينات في رئاسة الأركان العامة التي كانت مرتبطة سابقاً بروسيا.


من الناحية الجيوسياسية، أدّى حلّ قضية كاراباخ بدعم تركي إلى تقليل اعتماد أذربيجان على روسيا، مثلها مثل أرمينيا التي بدأت أيضاً باتّخاذ خطوات جدّية لتقليل اعتمادها على موسكو. بعد كاراباخ، أراد علييف إعادة تحديد علاقاته مع روسيا بناءً على واقع جديد، بعدما حلّ مشكلته الإقليمية، وأصبح يعتمد أكثر على تركيا والغرب.

 

رئيس مكتب الرئاسة السابق راميز مهدييف. (وكالات)
رئيس مكتب الرئاسة السابق راميز مهدييف. (وكالات)

 

بوتين والسيناريو الروسي لمنع الانقلاب

عزّزت أزمة طائرة الركّاب الأخيرة موقف علييف في إعادة تعريف العلاقات مع روسيا، ساعياً إلى فرض الندية على موسكو في التعامل مع باكو التي نجحت في نسج شراكات استراتيجية مع الغرب وإسرائيل.


رغم ما سبق، يمكن فهم تدخّل بوتين لمنع الانقلاب من خلال 3 سيناريوات رئيسية: الأول، صراع قوى داخل روسيا بين مختلف أجهزة الأمن، حيث يؤدي بوتين دور صاحب الحكم النهائي في الصراعات الداخلية. الثاني، إدراك روسيا لافتقاد مهدييف القاعدة الشعبية، وبالتالي ضعف فرصة نجاح أي انقلاب له، خصوصاً أن علييف يبلغ اليوم ذروة قوّته، بدعم واسع من المجتمع والأجهزة السياسية، حتى بين معارضيه في الخارج، وذلك على خلفية انتصاره في حرب كاراباخ. الثالث، غياب أي حزب سياسي في أذربيجان له صلات قوية بروسيا، مثل حال بعض الدول السوفياتية السابقة، لذلك فإن أي انقلاب، حتى وإن نجح، ستكون مخاطره على روسيا أكبر من أي فائدة محتملة.


وتحتلّ روسيا مكانة مركزية في معادلة جنوب القوقاز، خصوصاً بعد الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الأخيرة مع أذربيجان. قد تكون الأزمة الداخلية الأخيرة اختباراً حقيقياً لمدى قدرة روسيا على التأثير في استقرار الدولة من دون التدخل المباشر.


وترى روسيا أن تزايد التوترات الداخلية سيُوجّه علييف إلى تعزيز التعاون معها لضمان دعم سياسي وأمني يقيه من أيّ تهديد داخلي محتمل، خاصة في ظل وجود مصالح روسية استراتيجية في المنطقة، مثل السيطرة على ممرات الطاقة وتثبيت القواعد العسكرية.


من جهة أخرى، فإن أي محاولة لضمان الاستقرار من خلال موسكو تحمل أيضاً مخاطرة سياسية من ناحية تقييد السيادة الوطنية أو استفزاز الغرب بسبب الانحياز المفرط لروسيا.


من هنا، تجد باكو نفسها أمام مفترق طرق، فمن جهة تسعى إلى تعزيز استقلالية القرار الداخلي من خلال ضبط أجهزة الأمن والسيطرة على النخبة السياسية، وفي الوقت نفسه إدارة علاقتها مع موسكو بحذر، بما يضمن عدم خلق توترات إضافية أو ردود فعل سلبية من القوى الإقليمية الأخرى.

 

تركيا وإيران 

تُظهر الأحداث الأخيرة حجم الصراع بين الفئات المقرّبة من الرئاسة وبين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث يُلمّح بعض المحللين إلى محاولة بعض الشخصيات استغلال غضب القطاعين العسكري والمدني لتوسيع نفوذها.
وتراوح التداعيات المحتملة لهذه التحركات بين تعزيز قبضة السلطة المركزية على مؤسسات الدولة أو خلق حالة من عدم الاستقرار تهدّد المشهد السياسي، خصوصاً إذا استمرت الحملات الإعلامية المكثّفة ضد مسؤولين بعينهم.


وصعود أسماء جديدة داخل النخبة التي يُنظر إليها على أنها أكثر ولاءً للرئاسة، يعكس استراتيجية "تطهير تدريجي" للأجنحة المنافسة، بما في ذلك التأثير على المناصب الأمنية العليا، وهو ما يشي بأن السلطة تسعى لتفادي أيّ تحرك قد يؤدي إلى تكرار تجارب الانقلابات السابقة في المنطقة.


على الصعيد الإقليمي، تُظهر أذربيجان حساسيتها الشديدة تجاه أي اهتزاز داخلي، إذ قد يستغله جيرانها أو القوى الإقليمية لتعزيز نفوذهم. تركيا، الحليف التقليدي، تراقب المشهد بدقة، إذ تعتبر استقرار باكو شرطاً أساسياً لتحقيق مشاريع اقتصادية وعسكرية مشتركة، بما في ذلك تعزيز التعاون في قطاعات الطاقة والدفاع.


من جهة أخرى، تراقب إيران عن كثب التحركات الداخلية، خاصة في المناطق الحدودية حيث توجد أقلية أذرية واسعة، ما يخلق مخاوف من أيّ تأثير محتمل على استقرار الداخل الإيراني، مدركةً أن أي تصعيد داخلي في باكو قد يفتح الباب أمام استخدام الملف الأذري في السياسة الإيرانية، سواء للضغط على الحكومة أو لتوسيع النفوذ في جنوب القوقاز.


هذا الواقع الإقليمي يضع القيادة الأذربيجانية أمام معادلة دقيقة: الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وفي الوقت نفسه تعزيز دورها الإقليمي دون استفزاز الجيران، وأيّ خطأ في هذه الموازنة يمكن أن ينعكس سلباً على المصالح الاقتصادية، خاصة في قطاع الطاقة الذي يعتمد على خطوط أنابيب تمرّ عبر دول الجوار.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/19/2025 7:20:00 PM
 برز اسم عشائر غزة  كأحد السيناريوهات المحتملة لإدارة الشؤون المدنية، خاصةً في ظل رفض عودة حكم حركة حماس، وغموض دور السلطة الفلسطينية.
المشرق-العربي 10/20/2025 8:26:00 AM
اعتبر ويتكوف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قاد بلاده في ظروف صعبة".
اقتصاد وأعمال 10/17/2025 6:25:00 AM
لماذا ترتفع الأسعار؟ تتضافر الأسباب بين طقسٍ متقلّب في بلدان المنشأ، ومخزوناتٍ محدودة، وتوازنٍ دقيق بين العرض والطلب.