إلى متى يستطيع كيم تحمّل خسائره البشرية في كورسك؟
تكتشف كوريا الشمالية بالطريقة الصعبة أن القتال إلى جانب روسيا في الحرب ضد أوكرانيا ليس نزهة. حتى تركُز قتال جنودها في منطقة كورسك الروسية التي احتلت أوكرانيا قسماً منها خلال الأشهر الستة الأخيرة لم يجعل مهمة جنود بيونغ يانغ أقل خطورة. لكن الأثمان التي قد يحصل عليها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون تفتح شهيته على هذه المغامرة. والأثمان ليست مادية وحسب.
تتضارب الأنباء بشأن النشاط الحالي للجنود الكوريين الشماليين في كورسك، لكن أغلب الظن أنهم علقوا نشاطهم القتالي خلال الأسابيع القليلة الماضية.
لماذا؟
بسبب حجم الخسائر البشرية التي تكبدوها، على ما ذكرته الاستخبارات الكورية الجنوبية. أرسلت كوريا الشمالية بين 10 و12 ألف جندي إلى كورسك في نهاية 2024، لكن قسماً وازناً منهم تم تحييده. يعتقد مسؤولون استخباريون في كوريا الجنوبية أن كيم خسر نحو 300 قتيل و2700 جريح من جنوده، مما اضطره إلى سحبهم عن الخطوط الأمامية في أواسط كانون الثاني (يناير).
وكانت الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية قد أشارت في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) إلى أن روسيا بدأت بنقل جنود كوريين شماليين إلى الحدود. إذا كانت هذه التقديرات صحيحة فمعنى ذلك أن كوريا الشمالية خسرت ما لا يقل عن ثلث جنودها الذين أرسلتهم إلى الحرب في نحو ثلاثة أشهر فقط.
وفي 22 كانون الثاني، نقلت "بي بي سي" عن مسؤولين غربيين رفضوا الكشف عن هوياتهم اعتقادهم بأن كوريا الشمالية خسرت نحو 40 في المئة من جنودها (بين قتيل وجريح وأسير...) مع تقدير بأن عدد القتلى بلغ الألف تقريباً.
وبعدما نقلت وكالة "فرانس برس" منذ نحو أسبوع عن ناطق باسم الجيش الأوكراني قوله إن جنوده لم يواجهوا نشاطاً أو صدامات مع قوات كورية شمالية طوال ثلاثة أسابيع، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة إن القوات الكورية الشمالية عادت إلى جبهة كورسك.
وتحدث زيلينسكي عن تحييد "المئات من رجال الخدمة الروس والكوريين الشماليين"، قائلاً في تبرير لاحتلال جيشه المنطقة إن 60 ألفاً من القوات الروسية في كورسك هم 60 ألفاً لم يعيدوا تعبئة القوات الروسية الكبيرة في قطاع بوكروفسك وقطاعات أخرى من دونيتسك.
إلى جانب الأموال والتكنولوجيا العسكرية التي من المرجح أن تستفيد منها كوريا الشمالية عبر الانخراط في القتال إلى جانب روسيا، يهتم كيم بإكساب قواته الخبرة القتالية، لأنها لم تنخرط في أي نزاع منذ الحرب الكورية (1950-1953). وساهم انتشار استخدام الطائرات الأوكرانية بلا طيار واعتماد القوات الكورية الشمالية على تكتيكات قديمة بالتوازي مع عدم تلقيها الدعم من الروس في مفاقمة الخسائر.
استعداد لدفع الثمن؟
توقعت المحاضرة البارزة في السياسات الدولية في جامعة أبريستويث البريطانية جنيفر ماثرز أن يكون هذا الانسحاب الموقت لكوريا الشمالية من المعركة قد حصل بدافع إعادة التدريب. وأضافت أن كيم مستعد لدفع ثمن الخبرة القتالية كي يحصل جيشه على الميزة التي تخوله القتال لمصلحته الخاصة في حرب مستقبلية.
يوافق على هذا التحليل مراسل الشؤون الدفاعية في "بزنس إنسايدر" كريس بانيلا. حتى لو صدقت توقعات "معهد دراسة الحرب" بأن كوريا الشمالية قد تخسر كامل جنودها في كورسك بحلول نيسان (أبريل) المقبل، فقد ترى أن بذل هذه التضحيات أمر مستحق، إن لم يكن للقضية الروسية فلما ستتعلمه من تلك الحرب.
تتفق التقارير على أن الجنود الكوريين الشماليين منضبطون ولا يخشون الموت لكن خبرتهم ضئيلة بحيث يمثلون "علف مدافع" لروسيا. مع ذلك، هم ساعدوا روسيا في استرجاع نحو نصف الأراضي التي احتلتها أوكرانيا. في جميع الأحوال، ينبغي عدم المبالغة في قدرة كيم على إرسال جنود إلى كورسك. بالرغم من الحكم الحديدي في كوريا الشمالية، ثمة حدود لهامش تحرك كيم.
رشاوى وتزوير ومخاطر
لم تمنع الرقابة الصارمة على الإعلام انتشار نبأ مشاركة القوات الكورية الشمالية في كورسك، علماً أن المسؤولين في بيونغ يانغ وموسكو نفوا هذه المشاركة. ولا يبدو أن جميع الكوريين الشماليين مستعدون لإرسال أبنائهم إلى الموت.
ذكرت تقارير أن أسعار تزوير شهادات الإصابة بالسل ارتفع خمس مرات عما كان عليه قبل عام وأنه يتم دفع نحو 3 آلاف دولار كرشاوى لتفادي التجنيد في كوريا الشمالية. لهذه الأسباب، رأى شو هان-بوم من "معهد كوريا للتوحيد الوطني" أن الخسائر "شبه الكارثية" لقواته والتعويضات الضئيلة من روسيا يفرض على كيم معضلة كبيرة.
لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الانسحاب سيكون الحل الوحيد لهذه المعضلة. تصب الترجيحات في صالح مواصلة القوات الكورية الشمالية خوض القتال في روسيا إلى أن تحصل على بدائل، خصوصاً على شاكلة ضمانات أميركية. بما أن هذه الضمانات لن تتحقق في أي وقت قريب، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيظل قادراً على الاتكال على بيونغ يانغ في المدى المنظور.
إنما لن يتم ذلك من دون مخاطر. كتب الديبلوماسي السابق كارل أنتوني بورغ أن الخسائر البشرية في حرب خارجية يمكن أن تولّد حالة من عدم الاستقرار الداخلي حتى بين أفراد الجيش الكوري الشمالي الذي حاول أحد فيالقه الانقلاب على النظام في التسعينات بدون نجاح.
إذاً، الإمدادات البشرية لكوريا الشمالية إلى جبهة كورسك مستمرة في الوقت الحالي. لكن ثمة مؤشرات معقولة إلى أن حسابات كيم يمكن أن تتغير بعد بضعة أشهر.
نبض