إسرائيل الولاية الأميركيّة الـ51: قلق من عمق العلاقة وسطحيّتها!
ثمّة مخاوف متزايدة في الأوساط العبرية من تحوّل إسرائيل إلى الولاية الحادية والخمسين الأميركية. الترابط الاستثنائي في السياسة بين تل أبيب وواشنطن تخطّى القواعد المتعارف عليها منذ تاريخ السابع من أكتوبر 2023، وصار أكثر عضوية لكن بميزان قوى مختل لمصلحة الولايات المتحدة التي باتت تسيطر على مفاصل الحياة السياسية الإسرائيلية وتؤثّر فيها تأثيراً عميقاً.
الإعلام الإسرائيلي يوصّف الحال بهذه العبارة: "إسرائيل تتحوّل إلى مستعمرة ومحمية أميركية في الشرق الأوسط". يستشهد الكتّاب العبريون بطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتزل العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتوقف عن محاكمته، وما يمثّل هذا الطلب من تدخل أميركي في الشؤون الإسرائيلية الداخلية.
ما استتبع تاريخ السابع من أكتوبر 2023 دحض سردية "استقلال" إسرائيل، ورسّخ مبدأ تدخّل الولايات المتحدة بأصغر التفاصيل السياسية. منذ قرار الاجتياح البرّي لغزّة مروراً باقتحام رفح وصولاً إلى ضرب لبنان وإيران والتوغّل جنوب سوريا، كان واضحاً أن إسرائيل لا تتحرّك إلّا بضوء أخضر أميركي. لكن هامش التأثير الأميركي على القرار الإسرائيلي اتسع مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
استفز طلب ترامب العفو عن نتنياهو الشارع السياسي الإسرائيلي، كونه تدخّلاً عميقاً بالشؤون الإسرائيلية الداخلية، وتجاوزاً لمبادئ "الديموقراطية والعدالة" التي تبني إسرائيل سرديتها عليها كـ"الدولة الديموقراطية الوحيدة" في المنطقة. وحمل في طياته مشهدية عمق النفوذ الأميركي المطلوب في السياسة الإسرائيلية كون الطلب سيُستتبع ببقاء نتنياهو في السلطة.
ثمّة من يربط النفوذ الأميركي الواسع في إسرائيل بالدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي الاستثنائي بعد الحرب. لكن ثمّة رأياً آخر يقول إن العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو، ووجود سياسيين غير كفوئين في الحكومة الإسرائيلية، بالإشارة إلى وزيري المالية والأمن القومي بتسلئيل سموترتيش وإيتمار بن غفير، جعلا من ترامب "وصياً" على القرار الإسرائيلي.
الرأي الآخر يقول إن العلاقة القريبة بين نتنياهو وترامب لعبت دوراً في تعميق التدخّل الأميركي بالشؤون الإسرائيلية، خصوصاً أن المشهدية كانت مغايرة نسبياً بسبب النفور بين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لكن غياب ثقة ترامب بنتنياهو وعدم التزامه بالاتفاقات دفع الرئيس الأميركي لزيادة الضغوط بهدف تعميق تأثيره على القرار الإسرائيلي لضمان تطبيق الاتفاقات التي توقّع برعايته.
معادلات الأمن والاقتصاد
انخراط ترامب بدا واضحاً من خلال تدخّله بالمعادلات الاقتصادية والأمنية في مناطق محسوبة على نطاق الأمن القومي الإسرائيلي. مشروع "ريفييرا" ثم قوّة الاستقرار الدولية عوامل تعكس انخراط ترامب في أمن إسرائيل، وتدل إلى قوة العلاقة وعمقها بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفق ما كتب معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب.

لكن هذا التأثير يقلق الإسرائيليين. يصر ترامب على إشراك تركيا وقطر بالمعادلات الأمنية والسياسية، ووفق المنظور الإسرائيلي، فإن هاتين الدولتين وفّرتا المساعدة المالية والعسكرية واللوجستية لـ"حماس". وفي المقابل، يستبعد ترامب حلفاء إسرائيل من هذه المعادلات. ووفق مسؤول أميركي رفيع المستوى، "أُصيب الإسرائيليون بالاختناق" إزاء أجزاء من مشروع قرار قوة الاستقرار الدولية.
فرصة استثنائية
استطلاعات مركز "بيو" للأبحاث تشير إلى أن 53 بالمئة من الأميركيين يبدون موقفاً سلبياً من إسرائيل. تتراجع نسب التأييد لإسرائيل مقابل ارتفاع أرقام المتعاطفين مع فلسطين. وتترافق هذه الأرقام مع المتغيرات السياسية والديموغرافية في الولايات المتحدة التي ترجمتها انتخابات عمدة نيويورك.
معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب يشدّد على وجوب "اغتنام" إسرائيل "الفرصة الفريدة" التي يتيحها رئيس استثنائي، بالإشارة إلى ترامب ودعمه المفتوح لإسرائيل. وبتقدير بحث المعهد، ما دام ترامب في البيت الأبيض، فإن لدى تل أبيب "فرصة كبيرة" للتنسيق مع واشنطن، و"ينبغي الاستفادة" من هذه الفرصة في سياق مسارين: جهود تشكيل الشرق الأوسط وجهد لتعزيز إسرائيل، وفق المعهد.
في المحصّلة، فإن عمق التأثير الأميركي بالقرار الإسرائيلي يحوّل إسرائيل ضمنياً إلى "مقاطعة" أميركية في الشرق الأوسط. الدعم الأميركي المفتوح والمطلق لإسرائيل منذ عقود كان بهدف ترسيخ موقع تل أبيب كموطئ قدم لواشنطن في الشرق الأوسط. وبالتالي ما يحصل اليوم هو ترجمة سياسية فعلية لتدفّق المساعدات العسكرية والاقتصادية وتأثير الموقف الأميركي على صنّاع القرار في إسرائيل.
نبض