النفوذ الروسي في سوريا يتراجع: من السيطرة الكاملة إلى الدور الجزئي

دوليات 20-11-2025 | 18:44

النفوذ الروسي في سوريا يتراجع: من السيطرة الكاملة إلى الدور الجزئي

لم يقتصر الدور الروسي على الدعم العسكري فقط، وإنما امتد إلى النفوذ الاقتصادي المباشر، مع دخول الشركات الروسية في مشاريع ضخمة، والمشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية بشكل أزعج أقرب حلفاء الأسد في طهران.
النفوذ الروسي في سوريا يتراجع: من السيطرة الكاملة إلى الدور الجزئي
صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند مدخل قاعدة حميميم في سوريا.
Smaller Bigger


منذ تدخل روسيا العسكري في سوريا عام 2015، لعبت موسكو دوراً حاسماً في تحديد مسار الحرب ولكن أيضاً في إعادة تشكيل #الاقتصاد_السوري، من خلال سيطرتها على القطاعات الحيوية مثل الطاقة والموانئ ومشاريع إعادة الإعمار، كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ النفوذ الروسي من جهة وتحويل خسائر التدخّل البشرية والمالية إلى مكاسب طويلة الأمد.

لم يقتصر الدور الروسي على الدعم العسكري فقط، وإنما امتد إلى النفوذ الاقتصادي المباشر، مع دخول الشركات الروسية في مشاريع ضخمة، والمشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية بشكل أزعج أقرب حلفاء الرئيس السابق بشار الأسد في طهران.

 

 

 

رغم ذلك، بقي النفوذ الروسي بمثابة شريان أساسي لنظام الأسد، الذي اعتمد على موسكو للحفاظ على بقائه السياسي، وضمان التدفق المستمر للموارد المالية والتقنية.

لكن وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم في دمشق قلب الحسابات الروسية وجعلها أكثر تعقيداً، بالتوازي مع خطوات الشرع الذي بدأ منذ اللحظة الأولى بإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية والسياسية ومراجعة طبيعة العلاقة مع موسكو، أخذاً بالاعتبار القوى الفاعلة الإقليمية والغربية.

هذا التحول لم يكن مفاجئاً، وإنما كان انعكاساً لطبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشرع خلال وجوده في إدلب من جهة، وهشاشة نموذج الشراكة الروسية في الاقتصاد السوري من جهة أخرى.



الموانئ والمشاريع الكبرى: بوابة موسكو للتجارة والسلطة
كانت روسيا في عهد الأسد القوّة الاقتصادية المهيمنة في سوريا، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية، حيث كانت الشركات الروسية تتولى إدارة مناجم الفوسفات، وهو المورد الذي مثل أهم مصدر للعملة الصعبة في البلاد، كما سيطرت موسكو على بعض مشاريع الطاقة الكبرى، بما في ذلك محطات الكهرباء والمشاريع النفطية.
منحت السيطرة على هذه الموارد موسكو قوة اقتصادية وأتاحت لها القدرة على التأثير المباشر في القرار السياسي الداخلي، من خلال التمويل وتوجيه الاستثمارات.

إضافة إلى ذلك، فرضت روسيا نفوذها على الموانئ السورية، وعلى رأسها مرفأ طرطوس الذي شكّل قناة تجارية أساسية إلى جانب كونه قاعدة عسكرية، مانحاً الشركات الروسية الأولوية في استيراد وتصدير البضائع، والسيطرة على حركة النقل البحري لأهم المنتجات السورية.

كما دخلت شركات روسية أخرى في مشاريع إعادة الإعمار المبكر، خاصة في قطاعي الإسكان والبنية التحتية، ما ساهم في تعزيز النفوذ الروسي على الأرض بشكل كبير.
ولم يقتصر النفوذ على الاقتصاد التقليدي، بل امتد إلى البنية المؤسسية والمالية والتأثير في سياسات سعر الصرف وتوزيع الموارد المالية للدولة، وهو ما جعل النفوذ الروسي متجذراً على مستوى القرار الاقتصادي الكلي، لتتحوّل روسيا إلى مهيمن حاسم على الاقتصاد السوري وليس فقط شريكاً استراتيجياً للأسد كما كان حال إيران.

دمشق تعيد صياغة علاقاتها الاقتصادية مع موسكو
مع تولي الشرع الحكم، بدأت ملامح تراجع النفوذ الروسي تظهر تدريجياً. اعتمد الرئيس الجديد على برنامج يهدف إلى تعزيز سلطته من خلال الرجال الموثوقين والمجرّبين سابقاً في إدلب، والذين انحصرت علاقاتهم الاقتصادية مع تركيا وجهات إقليمية وغربية وبعيدين كل البعد عن روسيا.
وشكّلت دمشق لجان مراجعة العقود الروسية وقامت بتجميد عدد منها، وإعادة التفاوض بشأن أخرى لضمان مكاسب سياسية وعسكرية أوسع بأثمان أقل، مدركة ضرورة إشراك كافة الأطراف في المنظومة الاقتصادية الجديدة، في سياسة اقتصادية تقوم على تنويع الشركاء.

وبفعل الدعم الدولي، استطاعت دمشق فتح قنوات التعاون مع دول عربية مختلفة، واستئناف بعض العلاقات الاقتصادية مع دول أوروبية، إلى جانب شراكتها القوية مع أنقرة، في خطوات شكلت منافسة مباشرة للهيمنة الروسية، في وقت وضعت فيه الحرب الأوكرانية موسكو تحت ضغوط مالية كبيرة.

هذا التغيير لم يكن مجرد إعادة توزيع للعقود، وإنما جزء من سياسة تهدف إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع روسيا، دون التسبب بنفور أو ابتعاد الأطراف المناهضة لموسكو أو المشككة بها.

يؤكّد المستشار الاقتصادي الرئيسي في مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا كرم الشعار، على تراجع الحضور الاقتصادي الروسي في سوريا.
ويقول الشعار في منشور عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس": "بعد مقتل يفغيني بريغوجين، صار التحكم بأصوله والمشاريع المرتبطة بفاغنر داخل سوريا أسهل. ومع دخول مرحلة ما بعد الأسد، بدأت دمشق فعلياً باسترجاع الأصول التي كانت تدار من أهم رجل أعمال روسي بسوريا: غينادي تيمشنكو ومجموعة STG التابعة له، والتي كانت تشغّل مرفأ طرطوس، وتستخرج الفوسفات من خنيفيس، وتستثمر معمل بتروكيماويات حمص".
وأضاف: "توقّفت عقودها، والمعمل عاد للإنتاج بإدارة سورية حكومية، بطاقة بين 350 و400 طن يومياً".
ووفق الشعار فإن "هذه التحولات لم تكن ممكنة بدون توافق سياسي مع القيادة الروسية".

 

موسكو: من الهيمنة إلى النفوذ المحدود
أدّت التغيرات في السياسة الاقتصادية السورية إلى إعادة ترتيب العقود والمشاريع وصياغة العلاقة بين الدولة والمستثمرين المحليين والأجانب، بأهداف تتخطى حدود سياسات السيطرة والتمكّن لتركز أيضاً على السياسة الداخلية، في محاولة لخلق الرضا والارتياح لدى السوريين المناهضين لموسكو.
رغم ذلك، لا تزال روسيا تحافظ على بعض أوراق نفوذها، أبرزها قاعدة طرطوس والمشاريع الكبرى في قطاع الطاقة، إضافة إلى بعض الشركات التي لم تنسحب. لكنها اليوم تواجه تحديات جديدة تتمثّل في سياسات دمشق تجاهها، ودخول منافسين جدد إلى السوق السورية، وتراجع قدرتها على تقديم الدعم المالي المستدام في ظل الأزمات الاقتصادية الداخلية.

النفوذ الروسي في سوريا لم ينته، ومن الصعب أن ينتهي على المدى القريب أو المتوسط، لكنّه تحول إلى نفوذ محدود، متراجع، ويخضع لتوازنات جديدة تتشكل في ظل قيادة الشرع الساعي إلى تنويع الشركاء وارضاء الجميع على عكس السياسات التي كانت تخضع في عهد الأسد لسيطرة طرف واحد.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا