حرب سكك حديدية مستترة تخوضها روسيا والولايات المتحدة والصين في وسط آسيا وغربها. ثلاثة خطوط جيواستراتيجية، الأول خط الحرير الممتد من الصين إلى البحر المتوسط، والثاني خط زنغزور الممتد من أذربيجان إلى تركيا، والثالث الخط الرابط بين الجنوب والشمال من مومباي في الهند إلى سان بطرسبرغ في روسيا. وكلها ذات هدف واحد: سلاسل الإمداد.

الخط الروسي الهندي، والذي تطلق عليه تسمية ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، عاد إلى الواجهة من بوابة الأحجية الأخيرة الناقصة: خط رشت – أستارا الذي يمر في إيران على ضفاف بحر قزوين، ليصل إلى أذربيجان، ومن الأخيرة إلى العمق الروسي. وتم الإعلان عن عقد تشييد الممر الذي سيوقّع بغضون أسابيع بدعم من روسيا.

عوائق تؤخر الإنجاز
يتطرّق موقع "ذي كرادل" إلى خط رشت أستارا والعوائق التي تؤخر إنجازه. يبلغ طوله 162 كيلومتراً، وتكلفته المقدرة بـ 1.6 مليار دولار، بمعدل 10 ملايين دولار للكيلومتر الواحد. تم تأمين التكلفة بعدما عقدت إيران وروسيا صفقة ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية الإيرانية الرئيسية، بما في ذلك خط سكة حديد رشت – أستارا عام 2022.

إلّا أن عوائق لوجستية أخرى موجودة. التضاريس الجبلية شمال إيران تشكّل تحديات هندسية، يضاف إليها الاستحواذ على الأراضي كون جزء كبير من الطريق يمر عبر مساحات زراعية. لكن إيران أعلنت بناء الخط على جسور مرتفعة، وتأمين ما يقرب من 80 كيلومتراً من الأراضي، وبالتالي إطلاق العمليات الفنية في غضون أسابيع.

أذربيجان: العائق الأساس
لكن اتصال سكك الحديد ببعضها من روسيا إلى إيران لا يعني إنجاز المشروع وإطلاق سلسلة الإمداد من الهند نحو الشمال، والعقبة ستكون: أذربيجان. عاملان يعوّقان مشاركة أذربيجان في الطريق الذي يبلغ طوله 7200 كيلومتر. العائق الأول هو العلاقة المتينة التي تربطها بالولايات المتحدة التي توسّطت لإنهاء الحرب مع أرمينيا وأطلقت ممر زنغزور على أراضيها، والثاني هو العقوبات.

الديبلوماسي الروسي السابق فياتشسلاف ماتوزوف يتحدث لـ"النهار" عن العائق الأذري. ويقول إن باكو على ارتباط "متين" بالسياسات الغربية، إذ تربطها علاقة وثيقة بلندن وواشنطن وتل أبيب، وتعاون سياسي وعسكري مع أنقرة، وقد تكون أقرب إلى فكرة تشييد طريق آخر ممتد من عمق آسيا الوسطى مروراً بأراضيها إلى تركيا، والذي يشكّل ممر زنغزور جزءاً منه.

خريطة سكك الحديد Geopolitical monitor.

ثمّة بدائل محتملة في حال ابتعدت أذربيجان عن المشروع الروسي الكبير، كاعتماد خطوط نقل أخرى تربط إيران بروسيا عبر تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان. لكن الخط سيصبح أطول وأكثر تكلفة ودونه تحديات سياسية وديبلوماسية. إلّا أن ماتوزوف يكشف عن تجربة لهذا الخط حصلت خلال الفترة الأخيرة.

بديل آخر مطروح وهو اعتماد بحر قزوين الذي يربط إيران بروسيا مباشرة. قد يكون هذا الخط البحري بديلاً لنظيره البرّي الذي يمر بأذربيجان. الخطوط البحرية ليست مستثناة من المشروع، فأولى مراحل رحلة النقل من الهند إلى إيران تبدأ بالبحر. لكن ماتوزوف يشير أيضاً إلى صعوبات وتكاليف لجهة نقل البضائع بحرياً من إيران إلى روسيا.

يتحدّث الديبلوماسي الروسي السابق عن الأهمية الاستراتيجية لخط النقل الرابط بين الشمال والجنوب. فبالدرجة الأولى يطوّر اقتصاد الدول التي يمر بها ويخفف من أثمان البضائع من خلال خفض تكاليف سلاسل الإمداد، وبالدرجة الثانية مهم لأوروبا، التي ستستفيد منه بعد انتهاء الحرب الأوكرانية وعودة العلاقات الروسية – الأوروبية.

في المحصّلة، إن المساعي الروسية لإعادة موقعها الجيواستراتيجي على الخريطة الدولية مستمرّة بعد العزلة التي حاولت أوروبا والولايات المتحدة فرضها عليها إثر حرب أوكرانيا. ومن بوابة سلاسل الإمداد، ترسّخ روسيا مكانتها ومكانة حلفائها في المعسكرين الشرقي والجنوبي بوجه المعسكر الغربي، والحروب المستترة ستشتعل في أكثر من ميدان.