بعد ربع قرن من 2025، هل يتحقق وعد إيلون ماسك في النقل السريع؟

مع عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الأرجح أن تحدث قفزة نوعية في مسار وعد إيلون ماسك بجعل تقنية السفر براً داخل أنابيب مفرغة من الهواء، أو الـ"هايبرلوب" (Hyper Loop)، وسيلة أساسية في النقل العام مع حلول العام 2050. وفي 2020، أطلق ماسك الذي بات جزءاً من عملية صنع القرار في واشنطن، ذلك الوعد حينما أنجزت الرحلة الأولى لـ"هايبرلوب" في أميركا.
وآنذاك، تباهى مالك شركتي "تيسلا" للمركبات الكهربائية و"سبايس إكس" للسفر في الفضاء، بأنه أنجز أول سفر بري تصل سرعته إلى ألف كيلومتر في الساعة، ملامساً سرعة الصوت التي تبلغ 1225 كيلومتراً في الساعة. وتعيد إلى الأذهان أن النقل الجوي لم يستطع الحفاظ طويلاً على الرحلات فائقة السرعة التي أنجزتها طائرة الـ"كونكورد" الشهيرة التي حلقت بسرعة تفوق ضعفي سرعة الصوت، قبل أن تختم رحلة نجاحها الساحق بمأساة احتراقها أثناء الاقلاع من مطار شارل ديغول الباريسي، ما أدى الى توقف رحلاتها نهائياً في 2003. وتذكيراً، تحقق بعض السيارات بصورة تجريبية، الوصول إلى كسر حاجز الصوت، لكن بصورة تجريبية وبواسطة محركات طائرات نفاثة. وسجلت السيارة البريطانية "ثرست إس إس سي" (Trust SS) تفوقاً للمرة الأولى على سرعة الصوت في رحلة في صحراء "نيفادا" الأميركية، باستخدام محركات طائرة "فانتوم" الحربية الأميركية، في 13 اكتوبر /تشرين أول 1997.
وعلى نطاق واسع، وُصِفَت الرحلة الأولى التي أُنجزت عبر تقنية الـ"هايبرلوب" بأنها قفزة نوعية في تاريخ المواصلات. وأقل ما يمكن التفكير به أنها جسدت وسيلة مواصلات لم تكن موجودة قبلها. ويشبه ذلك ما مثّلته السيارة الميكانيكية [لنتذكر أنها ابتدأت بالسيارة الكهربائية، ثم انتقلت الى الوقود الأحفوري]، التي لم يكن قبلها سوى الوسائل المعتمدة على الأجسام البيولوجية كالأحصنة والبغال والثيران وغيرها، مع استخدام تقنية الدولاب فيها. وقد غيّرت السيارة وجه المواصلات البرية بصورة جذرية. وتلاها، ظهور الطرقات الحديثة بأنواعها كافة، وقد امتدت شبكاتها كشرنقة متشابكة عبر اليابسة.
تفكير نقدي وجدي في المخاطر
ومنذ منتصف القرن العشرين، لم يحصل تطور أساسي في طرق النقل البري. وحتى القطار الفائق السرعة ( Train a Grand Vitesse ) اختصاراً "تي جي في" (TGV) الذي يسير بسرعة تقارب الـ300 كيلومتر في الساعة، ليس سوى استمرار للقطار التقليدي مع استبدال طاقة الوقود فيه بالدفع الكهرومغناطيسي.
إذاً، الأرجح أنه من المستطاع المغامرة بالقول إن رحلة الـ"هايبرلوب" شكّلت قفزة نوعية في تاريخ المواصلات كلها.
وفي المقابل، هنالك خطورة عالية في الـ"هايبرلوب" الذي يعتمد على وضع مركبة في أنبوب يجري تفريغه من الهواء، فتندفع بقوة "الشفط" المتأتي من الضغط السلبي المتصل بالتفريغ الهوائي. في نهاية الرحلة، تحدث عملية فرملة دقيقة تتضمن خفض الضغط السلبي بصورة تدريجية ومنضبطة وسريعة أيضاً. خلال الرحلة كلها، يجب أن يستمر ذلك الوضع الذي يعتمد على عمل مجموعة كبيرة من الآلات التقنية المتقدمة. إذا حدث أدنى خلل، ليس سوى المأساة بديلاً في مصير المركبة المسافرة داخل الـ"هايبرلوب"، التي لا تملك أيضاً للتنفس سوى الهواء الموجود فيها.
استطراداً، يجدر عدم الاستهانة وهزّ الكتفين بشأن المخاطر وترداد عبارات مكررة عن ضرورتها، مقابل التفكير في أمديتها ونوعيتها وكميتها وما يتوفر من طرق ووسائل بديلة منها وغيرها. إن ركوب السيارة له مخاطره، لكنها لا تتساوى مع إنشاء مفاعل ذري مثلاً.
وصولاً إلى 2050
يسهل الحديث عن المستقبل، لكن التوقع العلمي بشأن كل لحظة قادمة يتضمن شيئاً من المجازفة! إذاً، من المستطاع رسم "خربشة" عن مستقبل المواصلات في منتصف القرن الحادي والعشرين، مع كل التحفظ الممكن.
01- الطائرات الكهربائية
في يونيو /حزيران 2019، أعلنت باريس عن طائرة أولى مخصصة لنقل الركاب وتعتمد كلياً على الكهرباء. حملت الطائرة إسم "إيفييشن آليس" ( Eviation Alice)، وتتسع لتسعة ركاب، وتحلّق بسرعة 445 كيلومتراً في الساعة، وتقطع مسافة 1024 كيلومتراً في كل شحن لبطارياتها. ووضعت قيد الخدمة الكاملة في 2022. وكذلك شهدت السنة الجارية إنجاز رحلة جوية أولى لطائرة ركاب بريطانية، أقلت 8 ركاب في رحلة داخلية.
02- قطار الألواح الشمسية
الأرجح أنه يجسد الحاضر لا المستقبل. وثمة قطار في أوستراليا يسمّى "بايرون باي تراين" ( Byron Bay Train ) يعمل بتقنية المحرك الكهربائي الذي تُمده الألواح الشمسية بالطاقة. وتعمل الشركة التي صنعته وأعطته اسمها على تزويد الشبكة الكهربائية التي تدعم ذلك القطار، بطاقة تأتي من ألواح شمسية. ويراهن كثيرون على أن الرحلات السريعة بالطاقة النظفية، قد تنافس الرحلات الجوية في العقود المقبلة.
03- حلقة خطوط القطار المداري
الأرجح أن مصطلح "حلقة خطوط القطار المداري" ( orbital train electromagnetic ring) يحتاج إلى شرح. وباختصار، تشير التسمية إلى قطار يستعمل طاقة كهرومغناطيسية، كي ينزلق عليها خطي سكة تحملهما كوابل تتصل بخطوط (بالأحرى، حلقات) معلقة في الفضاء على ارتفاع 80 كيلومتراً فوق سطح الأرض! ويستطيع القطار نقل ركاب من أقصى الأرض إلى أقصاها في 45 دقيقة. خيال علمي؟ ربما، لكن الفكرة والمواد المطلوبة لتحقيقها موجودة فعلياً.
كيف تستطيع حلقة معدنية ضخمة أن تحيط بالأرض، وتكون ثابتة على ارتفاع 80 كيلومتراً في الجو؟ إنها تدور حول نفسها باستعمال طاقة كهرومغناطيسية ضخمة، ما يمكنها من الاستقرار في الجو على الرغم من شد الجاذبية لها نزولاً، بالطبع. ويغلفها أنبوب يبقى بعيداً عنها بفضل خاصية التنافر المغناطيسي. وتوضع الكوابل التي يفترض أن تحمل سكتي القطار، على ذلك السطح الخارجي لذلك الأنبوب، باستخدام طاقة كهربائية كبيرة.