طعن بتعيينات الهيئة الناظمة للاتصالات: خاضعة للدستور أو لمنطق التوزيع الطائفي؟
فتحت المراجعة القانونية المقدمة أمام مجلس شورى الدولة ضد قرار تعيين رئيسة الهيئة الناظمة للاتصالات، نقاشا أوسع من حدود منصب في موقع رسمي. فالدعوى التي تقدمت بها "المفكرة القانونية" نيابة عن المرشح وسيم منصور، تحولت سريعا إلى ملف سياسي - دستوري يضع الدولة أمام سؤالها الأصعب: هل التعيينات في لبنان خاضعة للدستور أو لمنطق التوزيع الطائفي؟
ففيما تمضي الحكومة بخطاب إصلاحي يعِد بأطر شفافة للتعيينات، تكشف هذه القضية حجم التباعد بين الخطاب والممارسة. ومن هذا التباعد تنطلق أهمية المراجعة، فهي ليست اعتراضا على شخص المعيّن، بقدر ما هي اعتراض على آلية اعتبرها مقدمو الطعن منحرفة عن القواعد التي أعلنت السلطة نفسها التزامها.
يدفع وسيم منصور في اتجاه قراءة مختلفة لطبيعة الترشيح. فالرجل يؤكد أنه "لا يسعى إلى منصب بل إلى مسؤولية"، مشددا على أن طعنه "ليس موجها ضد جهة سياسية أو شخص، بل ضد مسار يتجاهل معيار الكفاية" الذي يقول إنه تقدم على أساسه منذ البداية.
هذه المقاربة تتجاوز البعد الشخصي لتحكي قصة قطاع بكامله. فالهيئة الناظمة للاتصالات، المُفترض أن تضطلع بدور استراتيجي في تأمين الشفافية وتنظيم المنافسة ووضبط أداء الشركات، تحولت إلى ساحة تجاذب سياسي.
ويرى متابعون أن غياب استقلالية هذه الهيئة لا ينعكس فقط على الحوكمة، بل أيضا على الأسعار، وجودة الخدمة، وجذب الاستثمارات إلى قطاع يعاني تشوهات مزمنة.
في هذا الإطار، يتبدى أن الطعن يعيد النقاش إلى أساسه: هل تدار المؤسسات الرقابية باعتبارها ضمانا عاما أو باعتبارها جزءا من التوازنات الطائفية؟
الشق الأكثر حساسية في الطعن يبقى دستوريا. فالمحامي نزار صاغية المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية"، يضع النقاش على سكته الأصلية، المادة 95 من الدستور التي تحظر تخصيص أي وظيفة لطائفة. وفي رأي صاغية، هذه المادة ليست "هدفا بعيد المدى" أو "نية إصلاحية"، بل قاعدة دستورية "ملزمة فورا، شأنها شأن أي نص آخر".
وتأخذ المسألة بعدا أكثر تعقيدا عند التداخل بين هذه المادة ومبدأ المناصفة في وظائف الفئة الأولى. فبينما يرى البعض أن المناصفة تبرر التوزيع الطائفي، يشير الطعن إلى أن النص الدستوري وضع ضوابط واضحة تمنع تحويل المناصفة إلى "إقطاعيات طائفية".

المراجعة تقدم للمرة الأولى إطارا قضائيا لطرح سلسلة أسئلة لم تطرح بجدية منذ الطائف. فكيف تطبق المناصفة من دون أن تتحول إلى تخصيص؟ على أي وظائف تحديدا تنطبق؟ هل تشمل الهيئات المستقلة أو تقتصر على الفئة الأولى التقليدية؟
ماذا يقول منصور عن الطعن؟ وعلامَ يُبنى؟ يؤكد لـ"النهار" أن الطعن يستند أساسا إلى المادة 95 من الدستور التي تقر المناصفة في وظائف الفئة الأولى وما يعادلها، من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة، مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاية. ويشدد على أن "الإحالة على هذه المادة ليست تكتيكا قانونيا بل هي تمسك بقاعدة دستورية ملزمة".
وهل لديه الصلاحية للطعن؟ يوضح أنه تقدم رسميا بطلب الترشح ضمن المهل، وبالتالي لديه "الصفة والمصلحة كمشارك في المسار الإداري. وما عدا ذلك، تبته المحكمة استنادا إلى الملف الإداري الكامل".
وإذ يؤكد أنه "لا يمكن التكهن بنتيجة الطعن"، يشير إلى أن "الطلب الإجرائي هو وقف التنفيذ ريثما ينظر في الأساس، ثم تطبيق ما يراه القضاء مناسبا إذا تبين وجود مخالفة، بما قد يشمل إعادة إجراءات التعيين في رئاسة الهيئة وفق المعايير المعلنة". ويختم بأنه سيلتزم "أي قرار يصدر، انطلاقا من اقتناعي بأن الاحتكام إلى المؤسسات هو المدخل الوحيد لبناء إدارة حديثة ودولة قانون".
إلى ذلك، وبعيدا من السجالات القانونية، يكشف الطعن هشاشة المشهد في قطاع الاتصالات. فالقطاع الذي يحتاج إلى أطر ناظمة حديثة، وإلى منظومة رقابية مستقلة، لا يزال محكوما بنمط إدارة يربط مصيره بالتجاذبات السياسية.
والقطاع في رأي منصور يعاني "انعدام الشفافية، وضعف الحوكمة، وانتشار الشبكات غير الشرعية، وتأخر التشريعات. من هنا، يصبح وجود هيئة مستقلة ليس مطلبا تقنيا فقط، بل ضرورة لإنقاذ المرفق العام وفصل مصالح الناس عن معارك القوى السياسية".
نبض