في السنوات الأخيرة، بدأت الشركات الناشئة العربية ترسّخ وجودها على الخريطة الاقتصادية العالمية بطريقة متسارعة. لم تعد هذه المشاريع مجرّد أفكار واعدة، بل أصبحت كيانات تنافسيّة حقيقية، حين تجاوزت بعض قيمتها السوقية حاجز المليار دولار، وأصبحت تُعرف بكونها "يونيكورن". هذا التحول يعكس بيئة خصبة للابتكار وريادة الأعمال في المنطقة العربية، تقودها رؤى استثمارية، بنى تحتية رقمية، ودعم حكومي.

ما هو الـ "يونيكورن"؟
مصطلح يونيكورن (Unicorn) يُستخدم في عالم الاقتصاد التقني لوصف الشركات الناشئة الخاصة، التي تصل قيمتها السوقية إلى مليار دولار أو أكثر، قبل الذهاب إلى الطرح العام. هذا التقييم يعكس ثقة كبيرة من المستثمرين، خاصة رأس المال الجريء، بإمكانات النمو السريع لتلك الشركات.

انضمام عدة شركات عربية إلى هذا النادي ليس فقط إنجازًا فرديًا، بل دلالة واضحة على نضج منظومة ريادة الأعمال في العالم العربي، وقدرتها على بلورة مشاريع تكنولوجية ضخمة ومؤثرة، لا مجرد أفكار محلية.



الشركات الناشئة العربية التي أصبحت يونيكورن
بحسب تقارير عدّة،  هناك 9 شركات ناشئة عربية انضمت إلى نادي الـ يونيكورن. من أبرزها:

- تابي (Tabby): تقييمها وصل إلى 4.5 مليارات دولار بعد صفقة بيع ثانوية، مما يجعلها من أكبر اليونيكورنات العربية.

- فيستا جلوبال (Vista Global): شركة طيران خاصة (Jets) تأسّست في دبي، وتقييمها يصل إلى 2.5 مليار دولار.

- كيتوبي (Kitopi): منصة مطابخ سحابية (cloud kitchens) مقرّها دبي، حصلت على تمويل كبير وتقييمها بلغ 1.55 مليار دولار.

- Xpanceo: شركة تقنية متقدّمة (deep-tech) في الإمارات. بعد جولة تمويل Series A حصدتها قيمتها 1.35 مليار دولار.

- أندلوسيا لابس (Andalusia Labs): تعمل في أمن الأصول الرقمية/التشفير، وحققت تقييم 1 مليار دولار بعد جولة Series A.

- دوبزيل جروب (Dubizzle Group): منصة الإعلانات المبوبة، قُدّرت بقيمة مليار دولار تقريبًا بعد اندماج مع مجموعة Bayut / OLX.

- The Open Platform (TOP): شركة Web3 مقرها دبي، تعمل على البنية التحتية لتطبيقات Telegram باستخدام بلوكتشين TON، وقد وصلت لتقييم 1 مليار دولار.

- MNT-Halan ("حالاً"): شركة مالية مصرية (FinTech) تقدّم قروضًا صغيرة، محفظة رقمية، ودفعاً إلكترونياً، وقُدّرت قيمتها بـ 1 مليار دولار تقريباً في جولة تمويل.

تمارا (Tamara): تم ذكرها في القائمة العامة، وهي من الشركات السعودية في مجال "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" (Buy Now, Pay Later) – التقييم المذكور يبلغ نحو 1 مليار دولار.

صورة تعبيرية (وكالات)

توزيع القيمة السوقيّة على الدول
من خلال هذه القائمة، يتّضح أن السعودية تبرز بقوة من خلال تابي وتمارا (وقريبًا شركات أخرى)، ممّا يدلّ على أن السوق السعودية ليست فقط مصدرًا لرأس المال، بل هي أيضًا بيئة خصبة لريادة الأعمال.

فيما الإمارات هي مركز جاذب لهذه الشركات التكنولوجية، خاصة دبي، مع وجود عدّة يونيكورنات في قطاعات متنوعة (الطيران الخاص، المطابخ السحابية، Web3، اللوجستيات).
أما مصر فتمثلها شركة Halan، ما يثبت أن ريادة الأعمال الرقمية تتجاوز الخليج، وتصل إلى شمالي أفريقيا، مع تركيز على الخدمات المالية للمستهلكين الذين كانوا "غير مصرفيين" تقليديًا.



قطاعات الابتكار: FinTech، اللوجستيات، Web3، والمطابخ السحابية
في هذا الإطار، يشير خبير التحوّل الرقمي إلياس الأشقر في حديثه لـ "النهار" إلى أنّ تنوع الشركات الـ يونيكورن العربية يُبرز الاتجاهات الاستثمارية في المنطقة:

- FinTech: تابي، تمارا، Halan. هذه الشركات تقدم حلول دفع، ائتماناً، محفظة إلكترونية، وهي سدين أساسيين في بناء الاقتصاد الرقمي.

- اللوجستيات والطعام: Kitopi تمثل المطابخ السحابية، وهي نموذجية لمعالجة الطلب على الطعام بطريقة رقميّة فعّالة.

- Web3 / البلوكشين: The Open Platform هي واحدة من أوائل شركات Web3 العربية التي تصل إلى تقييم يونيكورن، مع تركيز على البنية التحتية وسلسلة TON.

- الديب-تِك (Deep-tech): Xpanceo تعكس توجهًا نحو التكنولوجيا المتقدّمة (مثل العدسات الذكية، إنترنت الأشياء، إلخ)، ما يدل على أن الاستثمارات في المنطقة ليست فقط في المنتجات الرقمية، بل أيضًا في التكنولوجيا المتطورة.



دلالات التقييم المالي لمناخ الاستثمار
ما تعنيه هذه التقييمات العالية، مثل 4.5 مليارات لـ تابي، أو 2.5 مليار لـ Vista Global، هو أن المستثمرين من رأس المال المغامر لديهم ثقة كبيرة في إمكانيات النمو المستقبلي لهذه الشركات. هذه ليست فقط رهانات موقتة، بل استثمارات استراتيجية في مستقبل رقمي عربي:

- تقييمات الـ يونيكورن تعكس توافر رأس المال الجريء: وجود مستثمرين كبار ومستثمرين على استعداد لدعم هذه الشركات بقِيَم كبيرة.
- النضج التنظيمي والبيئي: الحكومات (خاصة في دول الخليج) تدعم الابتكار من خلال بنى تحتية رقميّة، تشريعات ملائمة، وحرية ريادية.
- القدرة على التوسع: هذه الشركات لا تخدم بلدًا واحدًا فقط، بل توجهاتها في - أغلب الأحيان - إقليمية وعالمية (مثل Vista Global في الطيران، أو TOP في البلوكشين).


مستقبل رقميّ واعد للمنطقة العربية
من خلال هذا الصعود المتزامن لعدة يونيكورنات، يمكننا استشراف مستقبل رقميّ مشرق للمنطقة العربية:

1. إعادة تشكّل الاقتصاد: هذه الشركات تسهم في تحويل الاقتصادات العربية من اقتصادات تقليدية إلى اقتصادات معتمدة بشكل كبير على التكنولوجيا والخدمات الرقمية.
2. ابتكار محلي عالمي: نجحت بعض الشركات في تخطي سوقها المحلية لتصبح ذات طابع عالميّ أو إقليمي، مما يعزّز مكانة العالم العربي كمصدر للتكنولوجيا والابتكار وليس مجرّد مستهلك لها.
3. جذب المواهب: ازدهار هذه الشركات يعني فرص توظيف كبيرة في مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال، ما يسهم في احتفاظ المواهب أو جذبها من الخارج.
4. استدامة النمو: مع تنوع القطاعات (المالية، اللوجستية، Web3)، يمكن للتنمية أن تستمر حتى مع تغيّرت اتجاهات السوق العالمية.



في المحصّلة، يعتبر انضمام 9 شركات عربية إلى نادي الـ "يونيكورن" ليس مجرّد رقم جميل، بل هو شهادة على تحول فعلي في مشهد ريادة الأعمال في المنطقة. من تابي في السعودية إلى Halan في مصر، ومن مطابخ كيتوبي السحابية إلى منصة Web3 مثل The Open Platform، نرى تنوعًا وإبداعًا واقعيًا. هذه الشركات لا تبني خدمات فحسب، بل تؤسس مستقبلًا اقتصاديًا رقميًا عربيًا قادرًا على المنافسة عالميًا.