الصين في قلب الرهانات الاقتصادية التونسية... تعاون أم تغيير استراتيجي؟
في سياق تطوير علاقاتها الخارجية، تبنّت الحكومة التونسية في السنوات الأخيرة خيار التوجه شرقاً، وتحديداً نحو الصين، بحثاً عن شريك قادر على تحريك العجلة التنموية وتنفيذ المشاريع الكبرى.
هذا التوجّه وضع بكين في قلب الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة لتونس على مستوى إنجاز البنى التحتية الكبرى وتسريع تنفيذ المشاريع المتعثرة.
لكن هذا الرهان على العملاق الآسيوي لم يمر من دون إثارة جدل داخلي واسع، إذ تباينت الآراء بشأنه بين من يعتبره خياراً واقعياً يدخل في إطار سياسة تنويع الشركاء وبين من يُحذّر من تداعيات محتملة، خصوصاً مع تسجيل أرقام تبادل تجاري سلبية مع بكين.
حضور مهم
وتنفذ الصين حالياً العديد من المشاريع الكبرى في تونس أبرزها مشروع قنطرة بنزرت شمالاً، وجرى التعويل على بكين لتطوير أسطول الحافلات، حيث أبرمت صفقة لشراء عدد من الحافلات الجديدة انطلق جزء منها في العمل.
وفي السياق نفسه، وقعت وزارة الصحة التونسية في شباط/فبراير الماضي مذكرة تفاهم مع بكين لإنجاز المدينة الطبّية "الأغالبة" في القيروان، وهي أحد أهم المشاريع الصحية في البلد، فيما أعرب نائب رئيس "وكالة التعاون الإنمائي الدولي الصينية" ليو جونفينغ عن استعداد بلاده لتنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في تونس من بينها بناء "مركز الأورام السرطانية" في محافظة قابس جنوباً.
وقد يشمل التعاون مشاريع أخرى مثل تطوير سكة الحديد وتوسعة مطار تونس/ قرطاج الدولي.
شريك الملفات المتعثرة
ولم يقتصر التعاون مع الصين على تنفيذ مشاريع كبرى، فقد كانت الوجهة التي لجأت إليها الحكومة لإيجاد حلّ لمشاريع معطلة وأزمات عالقة على غرار أزمة المجمع الكيميائي في مدينة قابس حيث انتظمت أخيراً تحركات احتجاجية حاشدة تطالب بتفكيك وحداته لما تسبّبه من تلوّث وأمراض في المنطقة، وقالت السلطات إنها استعانت بالجانب الصيني لإيجاد حلّ لهذا الملف.
وسبق أن اتجهت السلطات التونسية إلى بكين لإيجاد حل لتنفيذ مشروع إعادة بناء أحد أعرق ملاعب كرة القدم في البلد "الملعب الأولمبي" في المنزه" الذي عرف تعثراً كبيراً.
وفي الأعوام الأخيرة شهد التعاون بين تونس والصين تطوراً واضحاً، إذ تبادل البلدان الزيارات على أعلى مستوى من بينها زيارة رسمية قام بها الرئيس التونسي العام الماضي للعاصمة بكين.
وتربط تونس بالصين علاقات ضاربة في القدم تعود إلى أكثر من 6 عقود، وسبق لبكين أن أشرفت على تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى حتى قبل 2011 في مجالات عديدة منها، خصوصاً، الصحة والبنية التحتية والبيئة.

الشرق بديلاً؟
لكن هذا الانفتاح يطرح تساؤلات عدة، فبينما يعتبر البعض تعزيز التعاون مع بكين متنفساً اقتصاديا للبلد، يشير آخرون إلى الإحصائيات المتعلقة بميزان المبادلات بين البلدين، إذ تأتي الصين في المرتبة الأولى في ترتيب الدول التي تعاني تونس من عجز تجاري معها.
ومع إغلاق باب التمويل الخارجي في وجه تونس بعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ما حال دون حصولها على قرض لتمويل موازنتها، جاء التقارب مع الصين، في تقدير عدد من المراقبين، ليعكس وعياً تونسياً بأهمية تنويع الشركاء الاقتصاديين.
ولطالما كان المعسكر الغربي الشريك الاستراتيجي لتونس، لكن التغييرات الكبرى التي يعيشها العالم تفرض على السلطات التفكير في إيجاد شراكات جديدة، وفق وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس الذي يقول لـ"النهار" إن الحضور الصيني الذي بات ملحوظاً في السنوات الأخيرة يعكس وجود رغبة في الخروج من بوتقة التبعية للمعسكر الغربي.
ويقول ونيس إن تونس تعي جيداً أهمية تنويع علاقاتها، مشيراً إلى أن التوجه نحو شركاء جدد لا يعني القطع مع شركائها التقليديين الذين تحرص على تطوير علاقاتها معهم.
في المقابل تقول المحللة الاقتصادية إيمان الحامدي إن التوجه التونسي نحو الصين يعكس وعياً بثقل بكين الاقتصادي، مؤكدةً لـ"النهار" أن العملاق الآسيوي حاضر بقوة في العديد من الدول الأفريقية التي فاز فيها بصفقات مشاريع كبرى "وليست تونس استثناءً في هذا الصدد"، وفق تعبيرها.
وترى الحامدي أن توطيد العلاقات مع الصين قد يفتح أمام تونس أبواب الأسواق الأفريقية.
في المقابل تلفت إلى أن الشريك التقليدي لتونس يمر بدوره بأزمات اقتصادية جعلته يترك فراغاً واضحاً اتسم خصوصاً بعدم تنفيذ استثمارات كبيرة فيها "وهو ما دفع السلطات التونسية إلى التفكير في البحث عن شراكات جديدة".
لكنها تُشدد على أهمية الانتباه لضرورة تحسين قدرات التفاوض مع الشريك الصيني حفاظاً على المصالح التجارية والاقتصادية التونسية.
نبض