إعادة بناء قطاع الطاقة السوري بشراكات عربية... ومعالجة الفساد والترهل
ريما شتيلا
تواجه سوريا خلال تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وبعد أربعة عشر عاماً من الحرب، تحدياً مزدوجاً بين إعادة بناء قطاع الطاقة المتضرر واستعادة دورها ضمن خريطة الطاقة في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، تعكس اللقاءات المكثفة التي يجريها وزير الطاقة محمد البشير مع نظرائه وسفراء الدول الشقيقة والصديقة استراتيجية شاملة تربط الإصلاح الداخلي باستقطاب الخبرات والاستثمارات الخارجية، مؤكدًا أن التعافي الاقتصادي لا يمكن أن يكون محليا بحتا.
كان قطاع الكهرباء والنفط والموارد المائية قبل الحرب الركيزة الأساسية للاقتصاد السوري، مع مساهمة النفط الكبيرة في موازنة الدولة وصادراتها. وخلال الحرب بين 2011 و2024، أدت الأضرار المستمرة والانقطاعات ونقص الوقود، إلى جانب العقوبات الدولية وضعف العلاقات مع الخارج، إلى انهيار الإنتاج وعرقلة فرص الدعم الفني والاستثمارات الأجنبية، ما كشف هشاشة المؤسسات وانتشار الفساد، وأبرز الحاجة الملحة لإصلاح القطاع بالتوازي مع إعادة الإعمار الفعلي للبنية التحتية. واليوم بعد الحرب، تركز الحكومة الجديدة على إعادة تشغيل الشبكات وإحياء البنية التحتية، مع تطوير محطات الكهرباء وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتسعى في الوقت نفسه لإنعاش العلاقات الخارجية وتحفيز الاستثمارات، بما يعزز قدرة القطاع على تلبية الاحتياجات المحلية ويستعيد ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
ويعتبر التعاون الإقليمي ركيزة أساسية لاستقرار قطاع الطاقة، إذ يظهر التنسيق مع قطر لدعم البنية التحتية، ومع ليبيا في مجالات النفط والغاز، ومع الإمارات والجزائر في مشاريع الكهرباء والطاقة المتجددة خلال تشرين الأول 2025، مدى إدراك الحكومة أن الأمن الطاقي المحلي مرتبط بالاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وتساهم هذه الشراكات في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على البنية التحتية المتضررة، وخلق فرص اقتصادية جديدة عبر التكامل الإقليمي.

وبناءً على ذلك، وفقاً للخبيرين الاقتصاديين عبد الستار دمشقية وإبراهيم قوشجي، تمتلك سوريا موارد طبيعية هائلة يمكن أن تكون قاعدة للتعافي الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، قد ترفع إعادة تطوير الحقول النفطية الإنتاج إلى 100 ألف برميل يوميًا، بينما يمكن أن يوفر تحسين مناجم الفوسفات دخلاً سنوياً يُقدّر بمليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، يُسهم الاستثمار الاستراتيجي لهذه الموارد بالتوازي مع الشراكات الإقليمية في إعادة توازن الاقتصاد، تمويل مشاريع البنية التحتية، ودعم شبكة الطاقة الوطنية بشكل مستدام.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الطاقة تأسست بعد دمج ثلاث وزارات رئيسية هي: الكهرباء، والنفط والثروة المعدنية، والموارد المائية، لتشكيل كيان موحّد يشرف على إدارة هذا القطاع الحيوي ضمن حكومة الرئيس أحمد الشرع. وهذا الدمج لا يقتصر على إعادة هيكلة إدارية، بل يعد خطوة استراتيجية لتحقيق كفاءة أعلى في إدارة الموارد، تقليل التشتت، وربط القطاع بخطط التنمية الوطنية، بما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي ويشجع المستثمرين الدوليين على الانخراط في المشاريع الحيوية.
وعليه، فإن قدرة الحكومة على خلق بيئة سياسية مستقرة وضبط الأمن الداخلي واستكمال مسار العدالة الانتقالية تمثل عاملًا أساسيًا لمستقبل سوريا الاقتصادي. وبالتالي، تُظهر التحليلات أن تطوير قطاع الطاقة، باعتباره المحرك الرئيسي لإعادة الإعمار، يرتبط بمحاربة الفساد، تعزيز الثقة، وتنمية القطاعات الحيوية. كما تشير التقديرات إلى أن استراتيجية الدمج بين الإصلاح الداخلي والتعاون الإقليمي تمثل الفرصة الأهم لإعادة بناء سوريا على أسس مستدامة. ومع كل هذه الجهود، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي مدى ستتمكن سوريا من تحويل تحديات قطاع الطاقة إلى فرصة للنمو الاقتصادي والاستقرار الإقليمي؟
نبض