الإمبراطور الأشقر يأمر... والعالم ينفذ!
ترمب
Smaller Bigger

منذ عودته إلى البيت الأبيض، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ـ مراراً ـ على الهواء كي يصدر أوامره إلى كندا وجزيرة غرينلاند ومصر والأردن وكولومبيا.
في صورة استعراضية كأنه نصّب نفسه إمبراطوراً أشقر في زي روماني، عليه أن يأمر، وعلى العالم أن ينفذ فوراً.

 

تعكس تصريحاته مطلق الغرور والتباهي، وتلغي مفهوم "السياسة" التي تقوم على الحذر والمرونة، بينما ترامب لا يبالي إذا غضب العالم كله أمام إنفاذ رغباته وتصوّراته. 

 

بطريقة ما يستعيد ترامب أسلوب الكاوبوي الشهير، ليقدم صورة عصرية للأميركي العدواني، القادر على أن ينهي أي خلاف بطلقات الرصاص.

 

مفارقة سردية
ثمة مفارقة سردية بين "دون كيشوت" و"الكاوبوي الأميركي"، صحيح أن كلاهما خرج إلى العالم على صهوة جواده، برفقة تابع له- شخص مساعد على الأقل - وبذلك الشعور الغامض أنه في "مهمة مقدسة"، لكنّ الأول كان رومانسياً حالماً يقتله الحنين إلى قيم نبيلة اندثرت وإلى ماضٍ قد ولى، بينما "الكاوبوي" يتحرك وفق نزعة عدوانية باردة خالية من الرومانسية، بهدف السيطرة على الآخرين وترويعهم، وذلك بهدف الحصول على "الكنز"، أي توظيف كلّ القوة الممكنة من أجل الثراء، بمعزل عن أي أفكار تتعلق بالعدالة والرحمة والتعايش.

 

ففي طريق الكاوبوي الجبلي الوعر قلما تُذكر تعاليم الله إلا على نحو ساخر.
لذلك، يكرر ترامب تصريحاته الخاصة بتهجير أهل غزة وهو يستبعد تماماً أن تُرفض أو يعترض عليها أحد، وحين حاول تبرير رؤيته ردّ ذلك إلى تصوّره الاستثماري، على حسب تعبير ديفيد سميث مراسل "الغارديان" البريطانية "مرحباً في عالم ترامب، حيث يرى رجل العقارات، أنقاض غزة دولارات".
إنه مسكون بروح الكابوي الباحث عن "الكنز" وسط عظام الأطفال وجماجمهم، غير ساعٍ الى حل عادل للصراع.

 

قتل مباشر وعقاب جماعي

هل تندرج تصريحات ترامب ضمن مفهوم "الإبادة" كما استقر في الوعي الإنساني والأدبيات السياسية؟

 

إن الإبادة ـ بحسب الأمم المتحدة ـ تعني "ارتكاب جريمة قتل أو أذى أو إجراء بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين"، وإصرار ترامب على تهجير قرابة مليوني إنسان من وطنهم، هو أذى هائل قائم على أساس قومي وديني، يشمل الإضرار بالأوضاع الاجتماعية والمعيشية وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بمئات الآلاف من البشر، ونقل أطفال من "جماعة" إلى "جماعة" أخرى.

 

وليس شرطاً أن تكون قتلاً مباشراً لجماعة بشرية أو عرقية، فعالم الاجتماع إرفينغ لويس هورويتز يصفها بأنها "مجهود منظّم لتصفية السكان الوطنيين"، وكذلك عالم الاجتماع الأميركي جاك نوسان بورتر، يرى أن التعريف لا يشمل القتل الجماعي فحسب، بل يشمل أيضاً المجاعة والترحيل القسري والإخضاع السياسي والاقتصادي، إذ تنطوي الإبادة الجماعية على ثلاثة عناصر رئيسية: الإيديولوجيا، والتكنولوجيا والبيروقراطية، والتنظيم.

من النيل إلى الفرات

لا يُخفي ترامب حين شبّه إسرائيل بقلم صغير فوق المكتب وسط جيرانها العرب، استحقاقها وحدها التوسع على حسابهم، وهذا الموقف تكرار ـ بعقلية رجل المال ـ للأسطورة الصهيونية عن أرض الميعاد "من النيل إلى الفرات". لذلك يربط عصام سخنيني في كتابه "الجريمة المقدسة" مفهوم الإبادة بالتصورات التوراتية والصهيونية، باعتبار أن هذه البقعة المكانية تعمل فيها "إرادة سموية" تحدد إطارها الجغرافي ومن يتعين له أن يمتلكها. 
وهذا يفسر تعمية ترامب المطلقة عن أي حقوق للفلسطينيين، وكأنه يرغب في تحويل أنقاض غزة إلى "لاس فيغاس" الشرق الأوسط ليديرها ويمتلكها الشعب المختار وفق إرادة سموية مزعومة!

 

تعيدنا تلك التصريحات إلى أكثر من إشكالية، أولاها أن البشرية على مدار تاريخها المأسوي عرفت عشرات الإبادات التي لم تبرح الذاكرة الجماعية، لكنّ الطرف الأقوى لا يرغب في الاعتراف بالسلوك الإبادي، وربما يبرره بكل الحيثيات الفاشية الممكنة.

 

إشكالية ثانية تتعلق بضعف أدوات العدالة الدولية، والدليل أن نتياهو زار أميركا بزهو المنتصر وعامله ترامب بمنتهى الود، وتحدث ـ وهو في جواره ـ عن تدمير غزة وتحويلها إلى مكان خطر غير آمن، من دون أن يشير بإصبعه إلى من فعل ذلك، ومن قتل أكثر من خمسين ألف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء والعجائز والمدنيين!

 

وما فعله نتنياهو بآلة عسكرية فتاكة يكرر نمطاً منتظماً من تهجير الفلسطينين وإبادتهم  وإنكار وجودهم منذ عقود. وترامب نفسه تجاهل مطالبة "العفو الدولية"، تسليم نتنياهو الى المحكمة الجنائية، وأن "لا ملاذ آمناً لمجرمي الحرب". أي أن التنفيذ رهن برغبة الدول الكبرى ومصالحها، وليس بإرادة دولية حقيقية لإقرار العدالة بين جميع البشر. ومادام مجرمو الحرب يحصلون على "ملاذات آمنة" ومن يغترّون بالقوة لا يبالون بقيم العدالة، فستظل "الإبادة" فعلًا مأسويا نشطاً لا يبالي بأرواح آلاف البشر.

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟