المخرجة الجزائريّة هاجر سباطة لـ"النهار العربي": حوّلت أغنية إلى فيلم ثوري... وفلسطين في قلب عملي المقبل
القصة حزينة مثل الأغنية التي تقول في مطلعها "الطيارة الصفرا حبسي ما تضربيش، الطيارة الصفراء حبسي ما تضربيش، حبسي ما تضربيش، عندي راس خوي، لميمة ما تضنيش، الله الله ربي رحيم الشهداء رحيم الشهداء".
هي أغنية تاريخية تروي وقفة من وقفات ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، صدحت في كل الجبال وعمت كل القرى والمدن وتغنى بها جيل الاستقلال كما جيل الثورة، لتتحول اليوم إلى فيلم سينمائي هو حديث العام والخاص في الجزائر منذ أول عرض شرفي له قبل أسبوعين.
فيلم "الطائرة الصفراء" أو "الطيارة الصفراء" باللهجة الجزائرية، لمخرجته هاجر سباطة، من إنتاج المركز الجزائري لتطوير السينما التابع لوزارة الثقافة والفنون، من 40 دقيقة، يروي قصة فتاة جزائرية اسمها جميلة، تفقد شقيقها خلال حرب التحرير الجزائرية، لتحاول الانتقام بعد ذلك.
والطائرة الصفراء، هي نوع من أنواع الطائرات الحربية ذات اللون الأصفر، كان الاستعمار الفرنسي يستخدمها لقصف القرى والمداشر الجبلية ومعاقل الثوار.

"النهار العربي" كان له جلسة حوارية مع المخرجة سباطة التي بادرت بالحديث عن فكرة الفيلم، فقالت إن "فكرته منطلقها ضرورة أن يكون العمل مناسباً للذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر. فكرت في قصة الطيارة الصفرا التي يحفظ أغنيتها جميع الجزائريين، ويرددونها بكثير من الوطنية، ثم عرضت الفكرة على والدي الذي شجعني، نعم هي أغنية وبفضل تشجيع والدي حولتها إلى قصة سينمائية".
وعن القصة وفحواها تقول سباطة: "لوالدتي أيضاً حيز مهم في قصة الفيلم؛ كانت في الخامسة من عمرها عندما هاجمت قريتها في أعالي محافظة سطيف في شرق الجزائر طائرة حربية صفراء، وكانت معها عمتها التي كانت تحمل رضيعتها فوق ظهرها، وحدث أن سقطت الرضيعة من ظهر العمة التي قدر الله أن تقع قتيلة، فيما كتب للرضيعة أن تعيش إلى الآن وهي من نناديها اليوم خالتي يامينة".

جميلة... رمزية الإسم ودلالاته
القصة حزينة مثل الأغنية التي تقول في مطلعها "الطيارة الصفرا حبسي ما تضربيش، الطيارة الصفرا حبسي ما تضربيش، حبسي ما تضربيش، عندي راس خوي، لميمة ما تضنيش، الله الله ربي رحيم الشهداء رحيم الشهداء"، ما يعكس حزن الفتاة على رحيل شقيقها، وقد اختارت لها مخرجة الفيلم اسم جميلة، في رمزية قوية لهذا الإسم الذي ملأ الدنيا ونقش التاريخ في صدور الأجيال.
تقول سباطة: "أردت منذ البداية تسمية بطلة الفيلم باسم جميلة، وخصوصاً أن الفيلم بطلته امرأة جزائرية ترفض الاستعمار وترفض الظلم والذل والسيطرة وتسعى للحرية، لذا لم أكن مترددة في اختيار الإسم. أردت أن تعبر عن كل الجزائريات، والأكيد فيه رمزية ودلالة قوية باختيار اسم مجاهدتنا القديرة جميلة بوحيرد".
"حاولت المزج بين أجيال مختلفة من الممثلين"
أدوار الفيلم أدتها ثلة من الممثلين من أجيال مختلفة، وهو ما وصفته المخرجة في حديثها إلى "النهار العربي" بجسر التواصل، وقالت: "كتبت السيناريو رفقة السيناريست كريم خديم؛ بعض الأدوار كنت أعرف من سيتقمصها، فيما اخترت تنظيم كاستينغ لأدوار أخرى"، وأضافت: "كنت أريد المزج بين الجيل القديم المتمكن كالفنان القدير سيد أحمد أڨومي وجيل أثبت علو كعبه كسهيلة معلم ونصر الدين جودي، والجيل الجديد المتشبع بالفن المسرحي مثل عماد الدين سباطة؛ أردت فعلاً جسراً للتواصل بين هذه الأجيال، والحمد لله كانت التجربة رائعة والتجاوب بين الأجيال كان أروع"، لافتة إلى أن عملية انتقاء الممثلين تمت بطريقة مدروسة مع الحرص على تمثيل كل جهات الوطن.
تجربة فيلم "الطيارة الصفرا" هي الأولى من نوعها سينمائياً للمخرجة الشابة، مغامرة كانت لها طريقاً نحو اقتحام عالم السينما من بابه الواسع، وخصوصاً أن الفيلم ثوري ويحاكي حقبة من حقب ثورة التحرير الجزائرية المقدسة في تاريخ الجزائر.
"هو أول فيلم سينمائي لي، لم أتخط المراحل، تجربتي عمرها أكثر من 25 عاماً، تدرجت من مساعدة مخرج إلى جانب المخرج الكبير جعفر قاسم في كثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، إلى مديرة فنية في مسلسلات عدة كـ"جمعي فاميلي"، "ناس ملاح سيتي" و"موعد مع القدر"، ومساعدة في الإخراج مع المخرجين فاطمة الزهراء زعموم وسعيد ولد خليف، كل هذه التجارب وظفتها في هذا الفيلم، وعلى المنهاج نفسه أردت البدء سينمائياً بفيلم قصير" أكدت سباطة، التي أشارت إلى أنها تشبعت بكل ما يلزم قبل خوض المغامرة، إذ "استجمعت كل المعلومات ودرست كل التقنيات وتابعت معظم التجارب السينمائية، فلا بد من أن تكون على اطلاع تقنياً وفنياً ومن حيث السيناريو حتى يمكنك خوض تجربة سينمائية كهذه".

وتحدثت سباطة عن أجواء الانسجام والتعاون بين أعضاء الفريق: "المخرج لا بد من أن يكون ذكياً في اختيار فريقه وفريق الفيلم ككل، أكثر من ساعدني هو فريقي وكل من عمل معي في الفيلم، وخصوصاً مديرة الإنتاج أسماء زيوي، التي ضحت بوقتها وصحتها، فرغم التزاماتها العائلية إلا أنها كانت تسهر معي إلى ساعات متأخرة من الليل في سبيل إخراج فيلم في المستوى". وعن موازنة الفيلم تقول إن "كل الفريق التقني وكذلك مديرة الديكور جميلة كروش، التي وقفت بجد، والممثلين، كلهم تعبوا من أجل الفيلم من دون المطالبة بشيء. كنا فريقاً صلباً، كلنا آمنّا بالعمل، الفيلم من 40 دقيقة ولكننا استعملنا تقنيات عالية الدقة والمستوى، وبتضافر جهود الجميع استطعنا أن نخرج عملاً ذا مستوى فني وتقني أراه رائعاً رغم ضعف موازنته".
وما هي التقنيات التي استعملتموها في الفيلم؟
"عملت على الألوان في إبراز كل مرحلة من مراحله، استعملت اللون الأصفر في مرحلة طفولة جميلة، لأنه يعبر عن الذكريات في السينما، والأخضر الذي يعبر عن مأساة بطلة الفيلم؛ كل لقطة فيه مدروسة سيميولوجياً".
وأضافت: "قرأت كثيراً وأتابع تقنيات السينما الأميركية عن كثب، وأفلام "إذ جو رايت" المشوقة. وهو ما استعملته في فيلم "الطيارة الصفرا"، وخصوصاً ما تعلق بالضوء والظلام في الدور الرئيسي على وجه الخصوص، وكل هذه المعارف حاولت توظيفها بطريقة صحيحة ومدروسة".
رحلة بين الأمكنة
فيلم "الطيارة الصفرا" ارتحل بالمشاهد من منطقة إلى أخرى، فمن العاصمة إلى محافظة برج بوعريريج شرق الجزائر مروراً بالقليعة ودواودة، وكلها أمكنة لاحظنا أنها تحمل دلالة واضحة على انخراط كل الجزائر في عملية التحرر من المستعمر، وهو ما وافقتنا عليه المخرجة، التي أكدت أنها أخذت وقتاً طويلاً في التحضير للفيلم، من حيث الديكور واللوجستيك وحتى إدارياً. وتقول: "كان لا بد من اختيار مواقع تصوير توحي بتلك الحقبة من التاريخ؛ اخترت العاصمة وبعض مكاتب إدارة السكة الحديدية ثم انتقلنا إلى سيدي فرج ثم إلى القليعة ودواودة، المدينتين اللتين حافظتا على طابعهما المعماري الاستعماري، ثم إلى قرية أو دشرة أفيرود في منطقة مجانة في محافظة برج بوعريريج".
وأضافت: "أحببت التجاوب من سكان هذه المناطق ونحن في عملية التصوير، ولذلك تجدني محبة للاحتكاك الدائم مع الجمهور ومع المناطق الطبيعية الحقيقية".
ولفتت سباطة إلى أن هذا الاحتكاك دفعها إلى اختيار طفل من قرية أفيرود للمشاركة في الفيلم وهو ياسين، دعماً ورسالة شكر لأبناء هذه القرية.
فلسطين في قلب مشروع الفيلم السينمائي المقبل
"النهار العربي" حصل على السبق بخصوص العمل السينمائي المقبل لمخرجة فيلم "الطيارة الصفرا" التي قالت إنها أودعت مشروع فيلم سينمائي جديد في مديرية تطوير الفنون وترقيتها في وزارة الثقافة الجزائرية. وتقول إنه "في ظاهره قصة اجتماعية درامية وفي باطنه الجريحة فلسطين. الفيلم سيتم تصويره بطريقة دقيقة وبلغة سينمائية عميقة، مع التركيز على الصورة... وبخاصة الصوت، أريد استعمال هذه التقنية المهمة جداً والمميزة وهي الصوت. أريد حقاً خوضها في هذا العمل، إبرازاً لهذا الجرح العميق فينا ووقوفاً إلى جانب إخوتنا وأخواتنا في فلسطين".
وعن توقيت بدء التصوير أكدت سباطة أنها تنتظر موافقة الوزارة.

المخرجة هاجر سباطة تتحدث إلى مراسل "النهار العربي".
"أحسن سفير للجزائر في مختلف المهرجانات"
تحدثت سباطة عن مشاركة "الطيارة الصفرا" في المهرجانات الخارجية، فأكدت أن "إخراجه بالتقنيات التي تحدثت عنها آنفاً متعدد الأهداف، ومنها مواكبة تطورات السينما العالمية، وبالتالي فتح الباب أمام المشاركة في المهرجانات".
"استعملنا طريقة الفلاش باك وهي من التقنيات العالمية، واتخذنا الكثير من التحولات والتغيرات طيلة زمن الفيلم، وما هذا إلا مسايرة لما هو معمول به في السينما العالمية. حلمي أن يمثل الفيلم الجزائر أحسن تمثيل في العديد من المهرجانات الإقليمية والعربية والدولية، ويكون أحسن سفير لبلادي في محافل السينما"، تؤكد سباطة لـ"النهار العربي".
وتشير إلى أن طموحها هو أن يصل الفيلم إلى أكبر المهرجانات، وتؤكد أنها تعمل على ذلك من خلال التنسيق المتواصل مع المنتج الذي هو المركز الجزائري لتطوير السينما: "نحن نعمل ونسعى وتبقى إدارات المهرجانات صاحبة القرار في دعوة الفيلم من عدمها".
وتضيف سباطة: "من واجبنا إبراز كفاءتنا السينمائية والاهتمام الكبير الذي تحظى به السينما من قبل السينمائيين الجزائريين، وقبل ذلك الدعم الذي توليه السلطات الجزائرية وعلى رأسها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للسينما، وكذلك اهتمام وزيرة الثقافة والفنون التي تحضر للقاعات والعروض السينمائية وتشجع السينمائيين، علاوة على الجلسات الوطنية للسينما، التي انعقدت أخيراً وتم خلالها صوغ مشروع قانون السينما الجديد، وهو ما سيدفع بالعمل السينمائي الجزائري نحو الأمام ويخرج الكفاءات في هذا المجال إلى العلن ويمكننا من اقتحام المهرجانات والفوز بالجوائز بكل اقتدار".
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة
11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان
11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان
11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين
نبض