باسم يوسف في "بيت الشاعر": عندما يصبح الضحك آخر أشكال الحقيقة
يبدأ الحوار من الأردن، حيث يقدّم باسم يوسف جزءاً من جولته العالمية The Belly of the Beast، قبل أن ينتقل في نهاية الأسبوع إلى بيروت ليلتقي الجمهور اللبناني، الذي يصفه بأنه "من أطيب وأجمل الشعوب".
نفتتح الحديث بسؤاله عن تكلفة مواقفه السياسية، وهو الذي يعيش اليوم في الولايات المتحدة. يجيب بأنّه دفع ثمناً باهظاً، حتى وجد نفسه على "اللائحة السوداء" في هوليوود. لكنه يعترف بأنّ تلك المواقف نفسها منحتْه شهرة أوسع وانتشاراً أكبر، برغم التهديدات والاتصالات والضغوط. قناعاته تبقى أثبت من التحديات؛ ويعرف تماماً معنى التهديد والضغط منذ تجربة مصر، عندما كان برنامجه يصل إلى 40 مليون مشاهد، وكانت كلماته وانتقاداته تستفزّ السلطة وتعرّضه لمضايقات وضغوط وحتى لملاحقات قضائية.
وعندما أسأله عمّا تعلّمه من تلك التجربة، يجيب ضاحكاً: "ولا شيء". فمن متاعب إلى متاعب، يواصل باسم يوسف الاعتماد على الفكاهة والسخرية لتمرير رسائل سياسية حادّة، ورسائل إنسانية أشد وقعاً.
في مقابلته الشهيرة مع بيرس مورغان، لجأ إلى تشبيه ساخر بزوجته ذات الأصول الفلسطينية، قائلاً مازحاً إنّه "يحاول قتلها لكنه لا يستطيع، لأنها تستخدم أولادهما دروعاً بشرية". ومن خلال هذا المثال في الكوميديا السوداء، تمكّن من إيصال رسالة حادّة وواضحة في لحظة كان فيها شبه مستحيل تمرير رواية مختلفة داخل إعلام غربي موجَّه، غارق في بروباغندا تصنع روايات وهمية، كما حدث في العراق، وكما يحدث في كلّ حرب تسبقها ماكينة تضليل.
وأمام كل ذلك، يتحدث باسم بتواضع واضح: "أنا كوميدي، ولست محللاً سياسياً. وانتشاري بهذه الطريقة أكبر دليل أننا في زمن لا تنتشر فيه الدراسات والتحليلات، ولا تصل أصوات أصحاب الفكر". ويضيف: اليوم، ومع سرعة التكنولوجيا، ما يجذب الناس هو الضحك… وانتشاري أنا يعبّر عن شيء مش كتير منيح". هو الذي يعرف كيف تصل الكلمة بذكاء وخفة، يبقى أيضاً مثالاً للتواضع، وهو أمر نادر بعد الشهرة.
عندما سألته عن جمال عبد الناصر، أجاب أنه شخصية تاريخية، وإذا انتقده مثلاً في لبنان فهذا يزعج اللبنانيين أكثر من المصريين.

ثم انتقلتُ معه إلى أسئلة "استبيان بيت الشاعر". سألته عن أكبر وهم عاشه، فقال: "الأمل… أكبر وهم". وحين سألته عن الشكّ الذي يفضّل أن يبقى شكّاً، أجاب بأنّ الشكّ هو جوهر كل شيء، فهو الذي يمنع السلطة من التحكّم عبر البروباغندا. ويضيف مؤكداً: "لا حقيقة واحدة… الحقيقة متغيّرة".
وعن آخر تجربة قام بها للمرة الأولى، قال إنه قدّم عرضاً أمام 8 آلاف شخص في دبي فهذه التجربة كانت الأولى من نوعها في حياته.
أما عن لبنان واللبنانيين، فيصفهم بأنهم شعب يحب الحياة، رغم كل ما مرّوا به، وأنه يحب زيارة الروشة والحمرا، ولذلك سيصل قبل أيام من عرضه ليمضي وقتاً في بيروت.
وحين أسأله عمّا يضحكه، يجيب بأن "السياسة كلها مضحكة… وكلّ السياسيين كاذبون".
نختم بالحديث عن وضع غزة بعد سنتين، فيقول إنّ "الاحتلال غاشم ومموَّل بالكامل من الدول الغربية"، وإنه لم يعد يملك الأمل، لكنه يفعل ما يراه واجباً.
هذا اللقاء مع باسم يوسف يُظهر رجلاً متصالحاً مع نفسه، واقعياً، ويعرف كيف يستخدم موهبته لخدمة قضايا مهمة. فهو يثبت أن الضحك قد يكون أبلغ وسيلة للتعبير عن أكثر المواضيع حساسية ودراماتيكية. باسم يوسف، الذي عارض السلطة في مصر وغادر، يعارض اليوم ظلماً عالمياً مدعوماً غربياً، وفي الوقت نفسه يمارس دوره ككوميدي يزداد نجاحاً وشهرة، "رغم أن الزمن أخذ منه شعره الأسود وأعطاه البياض"، كما يقول، لكنه بالتأكيد منحه أيضاً الثبات والعالمية.
هذا هو باسم يوسف، الذي ينتظر الجمهور اللبناني لقاءه نهاية الأسبوع، في عرضه باللغة الإنكليزية على المسرح.
نبض