جوزف صايغ في خمس دقائق

ثقافة 15-11-2025 | 11:26

جوزف صايغ في خمس دقائق

جوزف صايغ شاعرٌ كبير، بقيَ أمينًا على أصولِ الشعريَّةِ العربيَّةِ في مغتربِهِ الفرنسي.
جوزف صايغ في خمس دقائق
جوزف صايغ.
Smaller Bigger

أن تَخْتَزِلَ تِسْعينَ عامًا في خمسِ دقائق، فَذَلِكَ، لَعَمْري، كَمَنْ يَحْبِسُ البحرَ في صَدَفَة، أو يُكوّرُ الزمنَ في لحظة، أو يُكثّفُ المعنى في جملةٍ واحدة. وجوزف صايغ العميقُ كبحر، الممتدُّ كزمن، واللطيفُ كمعنى عَصِيٌّ على الحبسِ والتكويرِ والتكثيف.

منذُ ثلاثةِ عقودٍ ونصف، تعرّفْتُ إليه. وبينَ وادي العرايش، وحارةِ الراسيّة، وعينِ المريسة، تعدّدَتْ لقاءاتُنا وتنوّعَتْ. وفي كلِّ لقاء، كانَتْ تتعمّقُ معرفتي به، ويزدادُ تقديري له، ويَتجدّدُ الشوقُ إليه. ذلكَ أنّ "كلَّ شوقٍ يموتُ باللقاءِ لا يُعَوَّلُ عليه"، على حدِّ تعبيرِ جدِّنا محيي الدينِ ابنِ عربي.

وَكَمْ كُنّا ننتظرُ حزيران، من كلِّ عام، بفارغِ الصبر. يجيءُ من إقامتِهِ الجبريّةِ الفرنسيّةِ إلى عُطْلَتِهِ الصيفيّةِ اللبنانية، فَنَغتنمُ فرصةُ مجيئِهِ لنفيءَ إلى ظلِّهِ الوارف، ونَغْنَمُ سحرَ البَيان، وسِعَةَ الثقافة، وأُنْسَ الحضور، حتى إذا ما مرَّ الصيفُ كغيمة، وأزفَ تشرين، وهبَّتْ رياحُ الخريف، يُيَمِّمُ شطرَ السَّفَر، وَيَعْرونا لِسَفَرِهِ بردُ الوداع. واليوم، وبعدَ خمسٍ على رحيلِهِ الموجع، ولأنَّ الشهادةَ في مأثوراتِنا الشعبيَّةِ أمانة، تَقْتَضي الأمانةُ أنْ نَشْهَدَ:

- أنّ جوزف صايغ شاعرٌ كبير، بقيَ أمينًا على أصولِ الشعريَّةِ العربيَّةِ في مغتربِهِ الفرنسي، واستطاعَ أن يُوائِمَ في شعرِهِ بينَ أصوليَّةِ القوالبِ وحداثةِ الرؤى.
- وأنَّهُ ناثرٌ جميل، وهوَ شاعرٌ في نثرِهِ، بشهادةِ "آن كولين". يرتقي بِهِ إلى مَصافِّ الشعر في أحيانٍ كثيرة.

 

جوزف صايغ.
جوزف صايغ.

 

- وأنَّهُ ناقدٌ أدبيٌّ في "سعيد عقل وأشياء الجمال". يَنْحو في نقده منحًى جماليًّا، وَيُعيدُ إنتاجَ النصِّ المنقود، على طريقتِهِ، في ضوءِ مُقْتَضَياتِ الفنِّ والجمال.
- وأنَّهُ مُحاورٌ بارزٌ في "حوار مع الفكرِ الغربي"، ومنْ موقعِ الندِّ للند، دونَ عقدِ نقصٍ أو خوفٍ أو انبهارٍ بالآخرِ الغربي، ولا يَحولُ عُلُوُّ مَقامِ الضَّيْفِ المُحاوَرِ دونَ مُساجلتِهِ وَمُخالفتِهِ الرأيَ، حينَ تَدْعو الحاجة.
- وأنَّهُ مُساجلٌ، مُسايف، غاضبٌ في "الوطن المستحيل"، يُسمّي الأشياءَ بأسمائِها، ولا تَأْخُذُهُ في الحقِّ لومةُ لائم.
- وأنَّهُ جامعٌ، مانع، طارحُ أسئلة، ومُنتِجُ أفكارٍ في "مَجَرّةِ الحُروف"، يُحَرِّكُ بأسئلتِهِ ركودَ الفكر، وَيُحَرِّرُ من جُمودِها الحُروف، وَيُطْلِقُها في بَرِّيَّةِ المَعْنى.
- وأنَّهُ، قبلَ ذلكَ كلِّهِ وبعدَهُ، صديقٌ كبير. يَفيءُ الأصدقاءُ إلى دوحتِهِ الباسقة، ويَغْنَمونَ الظِّلَّ واللَّوْنَ والثَّمَر. وَحَسْبي أنَّني كنْتُ واحدًا من هؤلاء.

وبعد، إذْ نَحْتَفي العشيَّةَ بتحريرِ "مَنْسيّاتِهِ" منَ النِّسْيان، وإطْلاقِها في فضاءِ الذّاكرةِ الأدبيَّة، فإنّنا نَغْتَنِمُ هذهِ السّانِحَةَ لنقولَ لجوزف صايغ بِالفَمِ الملآن: لنْ تَكونَ يومًا من مَنْسيّاتِنا. وَسَتَبْقى جُزْءًا عَزيزًا من ذاكرتِنا الشَّعْرِيَّةِ، ما دُمْنا على قيدِ التَذَكُّر.

الأكثر قراءة

مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.
سياسة 11/14/2025 2:56:00 PM
الجيش الإسرائيلي: الوحدة 121 بحزب الله مسؤولة عن ملف اغتيال سياسي لبناني مسيحي