"مساواة ولكن..." لمنال أبو كروم: نحو استراتيجية جديدة في العلاقات الأسرية
نبيل المقدم
إن الحاجةّ لمعرفة ذاتنا، وتعميقّ كلّ المفاهيم المرتبطة بسلوكنا، وسلوك المحيطين بنا من أفراد أسرتنا هي أمر ملحّ لا بلّ أكثر من ضروريّ خصوصاَ أن مشاكلنا النفسية والاجتماعية التي نعاني منها، مرتبطة بالماضي والحاضر ولابد من فهمها بكل ابعادها.
هذه المهمة قدمتّ نفسها لها منال أبو كروم، الإختصاصية النفسية، والحائزة على شهادات تخصص في العلاج السلوكي والمعرفي والعلاج باللعب والارشاد التربوبي، وذلك من خلال كتابها الجديد "مساواة ولكن... ادوار مبعثرة وأسرة مغيّبة"، والذي تركز فيه على دور المرأة المهم وألاساسي في الحفاظ على الاتزان النفسي للأسرة وتماسكها. وهي تستشهد في دعم رأيها بقول للدكتور "كاريسون"، وهو جراح اعصاب وأكاديمي ومؤلف: "لكي تهدم الاسرة عليك التقليل من اهمية دور الأمّ، حتى تجعلها تشعر بالخجل لكونها ربة منزل". عبارة اختارتها أبو كروم بعناية، لما لها من شمول وعمق في إقامة المناخ الاسري الصحيح. فعندما تختفي الام الواعية تسقط القدوة، ولا يعود هناك من يعلم الجيل الصاعد معنى القيم.
قد تكون الصحة النفسية، والعلاج السلوكي من اصعب العلاجات في عالمنا العربي، وذلك ليس لعدم مهارة المتخصصين به، بل لأن مجتمعاتنا عموماً لاتزال تغلق على نفسها ابواب المعرفة في هذا المجال، متجاهلة أن تفكك العائلة وتعقيدات الحياة سببها التمييز بين الرجل والمرأة، الامر الذي يؤدي إلى نفور بين افراد العائلة، قد يصل إلى الجنوح عن الصواب.

في كتابها الذي يقع في 320 صفحة من القطع الكبير، والذي تستشهد فيه بمراجع كثيرة، تقدم لنا منال أبو كروم تخطيطاً علمياً مدروساً لكيفية بناء الاسرة السليمة، وذلك من خلال عملية تثقيف وأرشاد ترتكز الى احدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال، مشددّة على ضرورة نبذ المعتقدات الخاطئة في العلاقات الاسرية، ولاسيما منها علاقة الرجل بالمرأة، من أجل منع الاسرّة من الانهيار، والتي يعني انهيارها "أبتعادها عن دورها الطبيعي"، كما تقول الكاتبة.
كيفما قلبتّ صفحات الكتاب تجدّ أضاءات علمية ودقيقة على دور المرأة في بناء الاسرة، والذي يشكل دوراً حاسماً في العلاقات العائلية. فعندما يكون التوازن النفسي موجوداً داخل الأسرة، يكون التواصل والتفاعل بإيجابية حاضراً بقوة، ما يؤدي إلى تقليل التوتر والصراعات داخل العائلة، ويجعل افرادها قادرين معاً على مواجهة التحديات والضغوط، مما يعزز عملية الترابط الاسري بينهم.
وكل ذلك لا يمكن أن يتم من دون علاقة سوية بين الوالدين، وتأثيرها الايجابي على نمو الاطفال وتطورهم النفسي والعاطفي.
أما اهمال تلك المسائل فإن خطورته تتعدى الاسرة لتصل إلى المجتمع. فالتفكك الاسري هو أحد مسببات زيادة معدلات الجريمة، والانحراف بين الشباب. وتدهور القيم الاجتماعية والاخلاقية بحيث يفتقر الابناء إلى النموذج الصحيح والتربية السليمة. وكذلك فإن التفكك الاسري يمكن أن يؤدي إلى زيادة العبء على عيادات الصحة النفسية. كما له تاُثير على ارتفاع منسوب البطالة والفقر. كل هذا يمكن تفاديه من خلال احترام دور المرأة في التوازن الاسري الذي يشكل دوراً جوهرياً في بناء مجتمع اكثر استقراراً.
كتاب "مساواة ولكن..." يستحق أن يُقرأ بعناية، وهو حصيلة جهد كبير بذلته الكاتبة، ولانبالغ أن قلنا أنه يشكل خطة تنموية شاملة ومتكاملة في مجال الصحة النفسية، وبناء الاسرة المثالية.
نبض