الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال لـ"النهار": علاقتي بلبنان أشبه بقصة حب صغيرة

ثقافة 05-11-2025 | 05:10

الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال لـ"النهار": علاقتي بلبنان أشبه بقصة حب صغيرة

"أكتب بحرّية، ولكن بوعيٍ أيضاً لمن قد يقرأني".
الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال لـ"النهار": علاقتي بلبنان أشبه بقصة حب صغيرة
الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال. (أ ف ب)
Smaller Bigger

كريس قسطنطين

في زيارتها السّادسة إلى بيروت، تبدو الكاتبة الفرنسية مايلس دي كيرانغال كالعائدة إلى مدينة تعرفها جيداً وتحبّها بصدق. التقيناها على هامش فعاليات مهرجان "بيروت كتب" وحفل توزيع جوائز "ألبير لوندر"، حيث وجدت نفسها من جديد في مدينة تصفها بأنها "فوضوية وآسرة في آنٍ واحد".

في هذا الحوار، تتحدث مايلس لـ"النهار" عن علاقتها بلبنان، عن بيروت التي تراها نابضة بالحياة رغم الجروح، وعن الانطباع العميق الذي تتركه فيها هذه المدينة التي كانت عُرفت بـ"باريس الشرق".

* ليست المرة الأولى تزورين فيها لبنان، ما الذي يعنيه لك؟
- يذكّرني لبنان، قبل أي شيء، بصديقة عزيزة دعتني إلى زيارته للمرة الأولى عام 1992، فكانت هي من عرّفتني على هذا البلد الجميل. ومنذ ذلك الحين، أصبحت علاقتي به أشبه بقصة حب صغيرة، خصوصاً مع بيروت.

ما أحبّه هنا هو إحساسي بأن الزمن مرن، ليس صلباً ولا جامداً. هناك نوع من التقبّل للعشوائية أو للمفاجآت، وهو أمر يناسب طبعي كثيراً. كما أن العلاقات الإنسانية هنا دافئة جدّاً، وهذا لا نجده بسهولة في أماكن أخرى.

بيروت بالنسبة إليّ مدينة تجمع التناقضات الجميلة: فوضوية ومهيبة، متعبة وأنيقة في الوقت نفسه. وهذا ما يجعلها آسرة. أشعر أنّ المدينة في حالة غليان ثقافي نابض بالحياة، وأفهم تماماً لماذا كانت تُلقّب بـ"باريس الشرق"، لأن في لبنان، كما في باريس، هناك إحساس قوي بالثقافة والطاقة الإبداعية. وأشعر أنّ بعد كلّ الصعوبات التي مرّ بها اللبنانيون في السنوات الأخيرة، هناك الآن روح جديدة، حماسة ملموسة، ورغبة في النهوض من جديد.

* نلتِ العديد من الجوائز الأدبية المرموقة؛ أيّ منها كان لها الأثر الأكبر في حياتكِ، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني؟
- أعتقد أن الجائزة التي أثّرت فيّ أكثر من غيرها كانت أول جائزة كبيرة حصلت عليها، منذ سنوات طوال. كانت تلك الجائزة، كما نقول في فرنسا، من "جوائز الخريف الأدبية الكبرى"، وهي لحظة مفصلية بالنسبة لأيّ كاتب، لأنها تغيّر النظرة إلى عمله. كنت آنذاك كاتبة غير معروفة، ولكن بمجرد حصولي على تلك الجائزة، بدأ الناس والنقاد يلتفتون إلى كتاباتي. تلك الجائزة كانت تكرّم أساليب كتابة أشعر بالقرب منها أدبياً، ولذلك كان وقعها عليّ خاصاً جداً.

ثم جاءت جائزة "Réparer les vivants" (إصلاح الأحياء)، والتي نالت بدورها أكثر من اثنتي عشرة جائزة مختلفة، بينها جوائز تشارك فيها وسائل إعلامية مثل France Culture – Télérama، RTL Lire، Orange – BFM TV، وPrix Relais. هذه الجوائز كانت مميّزة لأنها تُمنح من القرّاء أنفسهم، لا من لجان التحكيم التقليدية، وهو ما يجعلها أكثر قرباً من القلب. فالجوائز الكبرى في الخريف عادةً ما تكون "جوائز نقدية"، أما هذه فهي "جوائز قرّاء"، أي نابعة من تفاعل مباشر مع الجمهور.

 

الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال. (أ ف ب)
الكاتبة الفرنسية مايليس دو كيرانغال. (أ ف ب)

 

* هذا لافت، لأن أعمالكِ لا تقتصر على الأدب المكتوب فحسب، بل تجد طريقها أيضاً إلى السينما والمسرح، فتجمع بين القرّاء والمشاهدين في آنٍ واحد.
- صحيح، وهذا ما يسعدني حقاً. فـ Corniche Kennedy ثم Réparer les vivants، تحوّل كلاهما إلى فيلمين  سينمائيين، وأُنتجت لهما أيضاً نسخ مسرحية. والآن هناك مشروعان جديدان لتحويل روايتي Tangente vers l’Est وربما Kanoé، وهو مجموعة قصصية، إلى أفلام. أن يُلهم عملك فنانين آخرين لأمر رائع. أن يقرأ أحدهم روايتك ثم يرغب في أن يمنحها حياة جديدة على المسرح أو في السينما، فهذه متعة لا توصف

* من الملاحظ أن أعمالكِ تجاوزت الحدود الجغرافية، إذ تُرجمت كتبكِ إلى لغات عدّة، ما يعني أنكِ تتوجّهين إلى جمهور واسع في مختلف أنحاء العالم. هل هذا البُعد العالمي كان هدفاً بالنسبة إليكِ؟
- أعتقد أن ذلك أمر بالغ الأهمية. يَسعدني كثيراً أن أكون كاتبة تصل كتاباتها إلى جمهور متنوّع، وأن يكون لي جانب يمكن وصفه بأنه "شعبي" أو "عام"، إذا صحّ التعبير. هذا يلامسني بعمق، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن النصوص تصبح أبسط أو أقل عمقاً. على العكس تماماً، أحاول أن أقدّم كتابة مُتقَنة إلى أقصى حدّ ممكن، ولكنها في الوقت نفسه قادرة على لمس عدد أكبر من القرّاء. لا أكتب لنخبة صغيرة من القرّاء المثقّفين فحسب، بل أحاول أن أكتب للناس جميعاً، لأن الأدب بالنسبة إليّ مساحة إنسانية مفتوحة، وليس نادياً مغلقاً.

* هذا مثير للإعجاب، خصوصاً أن اللغة الفرنسية تُعدّ، بالنسبة إلى كثير من الكتّاب، لغة "مقدّسة"، إذ تُختزل فيها هوية الأدب الفرنسي نفسه. كيف تنظرين إلى علاقتكِ بهذه اللغة؟
- أحاول أن أكتب من دون أن أكون مهووسة بفكرة القارئ، لكن أيضاً من دون أن أغلق الأبواب أمامه. أكتب بحرّية، ولكن بوعيٍ أيضاً لمن قد يقرأني. صحيح أن في فرنسا اللغة تُعامَل أحياناً كأنها كيان مقدّس، كأن الأدب الفرنسي هو اللغة الفرنسية نفسها. بالنسبة إليّ، اللغة ليست معبداً يجب حمايته، بل كائن حيّ يجب أن نمنحه هواءً جديداً. أحبّ أن أتعامل معها بحبّ واحترام، ولكن أيضاً بمرونة وجرأة، لأن الأدب، في نهاية المطاف، ليس تجميداً للّغة، بل إحياؤها

* في الختام، أودّ أن أتطرّق معكِ إلى مسألة تهمّنا كثيراً هنا في لبنان، وهي مكانة اللغة الفرنسية ودور الفرنكوفونية في بلدٍ متعدّد اللغات والثقافات، خصوصاً في ظلّ انتشار اللّغة الإنكليزيّة. كيف تنظرين إلى هذا الموضوع؟
- أعتقد أن مسألة هيمنة اللغات تطرح تحدياً حقيقياً، ليس في لبنان فقط، بل في فرنسا أيضاً. فاليوم، مثلاً، اللغة الإنكليزية تتقدّم كثيراً على سائر اللغات التي تُدرَّس أو تُتعلَّم، وهذا، في رأيي، يؤدّي إلى نوعٍ من الإفقار الثقافي.
ليس لأن الناس يتحدثون الإنكليزية - فهذا أمر رائع، بل لأن هذه اللغة باتت تُقصي اللغات الأخرى وتحتلّ مكانها بالكامل. وهذا مؤسف.

أشعر أن الحفاظ على التنوّع اللغوي مهم جداً، خصوصاً في أماكن مثل لبنان حيث توجد روابط تاريخية وثقافية عميقة مع فرنسا. هذه العلاقة لا تقوم على مجرّد اللغة، بل على تاريخ من التبادل الفكري والفني. لذلك، أرى أن الدفاع عن الفرنكوفونية ليس رفضاً للإنكليزية أو لأي لغة أخرى، بل هو دفاع عن التنوّع، عن الحق في التعدّد، وعن الذاكرة الثقافية التي لا ينبغي أن تُمحى.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين