غلاف الكتاب.
من خلال تجاربه الشخصيّة، وتجربة الحرب، والتهجير، والصراعات، وجانحة الكوفيد، وانفجار العصر و... منح شربل شربل مقالاته صدقاً وتأثيراً بالقارئ، وضمّنها كتاب "لولا فسحة الأمل"، فكانت أدبًا ونقداً وعمقاً فكريّاً. فحين يرى الكاتب لون الحبر بلون الدمِّ، يغمّس ريشته في الدواة عميقاً، ويغوص مع مقالاته في أعماق الواقع، بكلّ ما فيه من آلام ومعاناة، فمن هذه المقالات تولد يقظة القارئ.
جمع شربل شربل في كتابه بين الأدب والعلم، وبين العقل والعاطفة. فجاءت مقالاته مرآة لثقافته ونظرته إلى الحياة، وترجمة لفكره المطعّم بالعقلانيّة والذوق الأدبي والخيال والعاطفة على أبناء الوطن. ولم يصعب عليه التأثير بالقارئ، لأنّ مقالاته من واقع حياة حلوة كانت أو ظالمة، وقد عاشها من قرأ الكتاب بكلّ حذافيرها.
ثمانية فصول ضمّت إثنتين وثمانين مقالةً في ثلاث مئة وثلاث صفحات، عبّر خلالها شربل شربل عن وجع الوطن بمعنى عميق، وحرّك العلاقات بين الأدب والحياة والتجربة والواقع. فالذي كتبه كان نابعًا من صميم تجربته معبراً عنه بصدق الموقف وأمانة التعبير، كقوله في الصفحة 14: "(لا تهيّئ أفراحك) نصيحة ترقى، في نظري، إلى مرتبة الحكمة. فنحن أبناء جيل المعاناة، وجيل الخيبات، وجيل الاغتيالات السياسيّة، والانقسامات الطائفيّة، وجيل المفاجآت والكوارث."
لغة شربل نابعة من الوجع، ترمز إلى التجربة مع الحياة في بلد الجمال لبنان الذي حوّله المسؤولون وأزلامهم والذين وظفوهم إلى بلد العجائب في الفساد والرشوة. ففي مقالاته خيبة دائمة، وذاكرة تتألم: "تريد على (مفاسدنا) دليلاً/ متى احتاج النهار إلى دليل؟" (صفحة 23). فهو لم يكن شاهداً على حدث، وليس مجرد ناقلٍ له، بل وثّق الزمن والوجع ومنحهما لغة فريدة.
كيف يمكن لمقالة، بسيطة في التعبير، يسهل قراءتها من القراء جميعاً، أن تكون عميقة ومفتوحة، ذات لغة حيّة تشهد على زرع الوجع الوطني الذي عبّر عنه شربل بالكلمة؟ فكلماته قد لا تغيّر العالم لكنّها تغيّر القلوب. فعن انفجار الرابع من آب يقول في الصفحة 84: "إغتيالك يا بيروت، هو خنق للضوء، وتعميم للتعتيم، ومحاولة لجعل مستقبلنا تحت عباءة الظلام. إغتيالك اغتيال للانفتاح، والتمايز، ولإرادة التجاوز." وكان عنوان هذا الفصل: "جريمة ...بلا عقاب"، كالمثل القديم الذي يقول: "الحجر بمحلو قنطار".
بين "سبعون" مخائيل نعيمة و مقال "سبعوني" لشربل شربل كثير من التقاطع: لغة شفّافة تجمع بين البساطة والعمق، صدق أدبي نادر يعرض الواقع ويعلّله، ويحاول إيجاد الحلول المناسبة من خلال رؤية شاملة، حيث الإنسان جزء من كلّ، في المعضلة والحلّ والمعاناة: "ها قد مضى على إطلاقي صرختي الأولى في وجه هذا العالم، سبعون عاماً. وبما أنّني آخذ بالقول الإنكليزيّ، (العمر هو مجرّد عدد)، أستطيع أن أتعامل مع عمري على هذا الأساس. فالعدد 70 يساوي ضعفي العدد 35، وهذا الكلام يناسب كوني مواطناً منفصماً، أو بالأحرى مشطوراً إلى نصفين، نصف صيداويّ مقيم، امتدّ حتّى تهجير قرى شرق صيدا في العام 1985، ونصف كسروانيّ مهجّر بدأ، في أواخر نيسان المنصرم، يضيف إلى أيّامه رصيداً يتجاوز رصيد نصفه الشقيق." (صفحة 50).
من الصفحات التي سعى خلالها الكاتب إلى تحريك العقول، وإثارة الحمية الأدبيّة، وترقية من يريد أن يقرأ بعمق، أقتطف من مقاله "جبران خليل جبران شاعراً، رسّاماً، ونبيّاً" الآتي: "أهتف للحبّ الذي قدّسه، وأَخرجه من دائرة الخير والشرّ، وأعلاه فوق القمم. أناجي الحرّيّة التي جهر بها، واعتبرها جوهر الوجود، وناداها (من أعماق هذه الأعماق) علّها تلتفت إلى هذا الجزء من الدنيا المسمّى شرقاً." (صفحة 216).
على الرغم من جديّة المقالات، ومعالجتها للقضايا الإنسانيّة والوطنيّة المحقّة، كنّا نقع على نوادر محببة تؤكّد غلبة الحياة تماشياً مع عنوان الكتاب "لولا فسحة الأمل": " إذا تجاوزت الستّين... وخصوصاً إذا كنت من عُتاة المدخّنين أو المؤركلين، ...وسيكون من حظّك أن ينقلك الصليب الأحمر إلى مستشفى ما، وأن تلقى عناية طبّيّة. وقد تنجو بفعلتك، فالأعمار بيد الله! وهذا الكلام ينسحب عليكِ ، أيضاً، سيدتي المسنّة، فذكور الكورونا تستمرئ الصدور العارمة والأرداف الوارمة..." (صفحة 59).
من خضمّ معضلة القضاء اللّبنانيّ، التي عالجها شربل بكلّ شفافية، يحضرنا قول للدكتور ميخائيل مسعود: "ويل للظالمين إذا نبت للعدالة أظافر."
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
ثقافة
11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة
11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
مجتمع
11/1/2025 8:08:00 PM
قاصر ضحية اعتداء جنسي في حارة الناعمة...
نبض