"سرقة القرن" الجديدة في اللوفر: ثغرات أمنية تعتري أكبر متحف في العالم

في صباح يوم الأحد، شهد متحف اللوفر في باريس، أشهر متاحف العالم وأكثرها استقطاباً للزوار وموطن لوحة "الموناليزا"، عملية سرقة جريئة في وضح النهار. اقتحم لصوص مقنّعون الطبقة الأولى في "غاليري أبولون"، التي تضمّ مجوهرات التاج الفرنسي، وسرقت مجموعة من الجواهر التاريخية "التي لا تُقدّر بثمن". وسرعان ما أطلقت وسائل الإعلام الفرنسية على الحادثة اسم "السطو المذهل على اللوفر"، مبهورة بسرعة الجريمة وجرأتها.
خلال ست أو سبع دقائق فقط، تمكن أربعة لصوص من كسر نافذة علوية مستخدمين سلماً متحركاً مثبتاً على شاحنة (يُستخدم عادة لنقل الأثاث)، ثم حطموا صندوقين زجاجيين عاليَي الأمان، واستولوا على بعض أثمن الجواهر الملكية الفرنسية، قبل أن يفرّوا على دراجات نارية في شوارع باريس.
انطلقت حملة مطاردة واسعة في باريس، وأسند التحقيق إلى وحدة متخصّصة في جرائم الفن تتمتع بسجلّ ناجح في حلّ السرقات الكبرى. وتشير الأدلة الأولية إلى أن العملية خُطّط لها بدقة شديدة. فقد كان أحد اللصوص يرتدي سترة صفراء تعكس الضوء كتلك التي يستخدمها عمال البناء، ما ساعده على التمويه، وقد عُثر لاحقاً على السترة وشكّلت دليلاً جنائياً مهماً. كما حاول الجناة إحراق رافعة السلم التي استخدموها، لإتلاف الأدلة قبل أن يفرّوا على دراجاتهم. وتعتقد السلطات أن العصابة تضم مجرمين محترفين قد يكونون مرتبطين بشبكات الجريمة المنظمة. ورأت المدعية العامة في باريس لور بيكو أنّ العملية ربما نُفّذت بطلب من جامع تحف ثريّ، أو بهدف تفكيك الجواهر وبيعها في السوق السوداء لغسل الأموال، ولم تستبعد وقوف "دولة أجنبية" وراء السرقة.
وأثار تجاهل اللصوص لـ"ماسة ريجنت" - وهي جوهرة تزن 140 قيراطاً وتُقدّر قيمتها بأكثر من 60 مليون دولار - حيرة المحققين، خصوصاً أنها كانت في متناولهم. هذا التفصيل غذّى الشكوك بأنهم تلقوا أوامر محددة بسرقة قطع معيّنة دون غيرها.
بعيداً عن المجوهرات المسروقة، فقد سلّط "سطو القرن" - كما سمّته بعض وسائل الإعلام - الضوء على ثغرات أمنية خطيرة في متحف اللوفر. فسهولة تسلّق واجهة المتحف في وضح النهار واختراق صناديق العرض المحصّنة أثارت غضباً شعبياً وانتقادات سياسية واسعة. وكانت إدارة اللوفر قد حذّرت من ضعف الإجراءات الأمنية قبل وقوع الحادثة. ففي مطلع عام 2025، تقدّم المتحف بطلب عاجل للحكومة للحصول على تمويل لتجديد قاعاته القديمة وتعزيز حماية معروضاته. ويواجه اللوفر، الذي استقبل 8.7 ملايين زائر في عام 2024، صعوبات بسبب نقص الموظفين واكتظاظ القاعات، بل شهد إضرابات متكررة بسبب ظروف العمل ومخاوف السلامة.
في الإطار، قالت وزيرة الثقافة رشيدة داتي إنّ "عقوداً طويلة مرّت من دون اهتمام كافٍ بأمن المتاحف الكبرى"، كاشفةً عن أنّ رئيسة المتحف لورانس دي كار طلبت من شرطة باريس إجراء تدقيق أمني قبل عامين. وأضافت: "يجب أن تتأقلم المتاحف مع أشكال الجريمة الجديدة… نحن اليوم أمام جريمة منظمة ومحترفين"، محذّرة من أنّ أمن المتاحف في فرنسا والعالم لم يواكب تطوّر أساليب اللصوص.
وأصدرَت وزارة الثقافة بياناً بعد الظهر أكّدت فيه أنّ نظام الحماية لم يشهد أيّ خلل، مؤكّدة أنّ "أجهزة الإنذار دوّت فور الاقتحام (...) وتدخّل خمسة من موظفي المتحف الموجودين في القاعة والممرات المجاورة فوراً لتطبيق بروتوكول الأمان". ومع ذلك، سيتعيّن على التحقيق تحديد المسؤوليات التي سمحت بحدوث عملية سطوٍ بهذه الجرأة، وهي الأكبر منذ سرقة "الموناليزا" عام 1911 على يد عامل زجاجٍ إيطالي. أما آخر سرقة موثّقة في اللوفر فكانت عام 1998 حين اختفت لوحةٌ لكامي كورو في وضح النهار ولم تُستعد أبداً.
هل نحن فعلاً أمام "سرقة القرن" الجديدة؟ نقلت "لو موند" الفرنسية عن الخبير المعتمد في المجوهرات والساعات الفاخرة ألكسندر ليجيه قوله إنّ "قيمة الغنيمة قابلة للتقدير"، معتبراً أنّها بالطبع "خيالية" نظراً لآلاف الماسات التي يتجاوز سعر القيراط الواحد منها 500 يورو. لكن ما يجعل السرقة فادحة هو "قيمتها التراثية"، بالنسبة إليه، "هذه القطع لا يمكن بيعها كما هي، لكن هناك خطرٌ كبير من أن تُفكّك، الذهب على جهة، والماس على جهة أخرى".
خلال إغلاق المتحف، ألقت رئيسته دي كار كلمةً أمام الموظفين عند الثانية والنصف بعد الظهر داخل القاعة الكبرى، لكن بعض العاملين استقبلوها بصيحات استهجان واتّهموا الإدارة بسوء التخطيط، وفق "لو موند". وأشار الموظفون إلى أنّ خطة "السلامة"، التي تهدف إلى تحديث النظام الأمني، أُرجئت إلى الفترة الممتدّة بين عامي 2025 و2029، مؤكدين أنّ نقص الموارد المزمن يخلق ثغراتٍ خطيرة في نظام الحماية.
ووسط التنديد والاستهجان، أكّدت نقابة "SUD-Culture" أنّها "لطالما نبّهت إلى القرارات الإدارية الداخلية خلال السنوات الثلاث الماضية التي تجاهلت المهمة الأساسية للمؤسسة: حماية التراث، والمبنى، والمجموعات، والعاملين. المسؤولية الإدارية جسيمة، وحان الوقت كي يأخذ رئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة تحذيرات الموظفين على محمل الجد".
ووفقاً لمعلومات "لوموند"، فإنّ أعمال مشروع "اللوفر - النهضة الجديدة"، الذي يهدف إلى تحسين استقبال الزوار وإقامة مدخلٍ جديد، لن تشمل جناح "دونون" الذي يضمّ "الموناليزا" و"قاعة أبولون" - موقع السرقة - قبل عامي 2034-2035، علماً بأنّ هذه القاعة تُعدّ الأكثر حساسية وكثافةً بالزوار. وقد أقرّ وزير الداخلية بأنّ السلطات "تعلم جيداً أنّ هناك هشاشة كبيرة في المتاحف الفرنسية"، مذكّراً بأنّ "خطة الأمن" التي أطلقتها وزارة الثقافة أخيراً "تشمل" اللوفر أيضاً.
لا تزال سرقة المتاحف تهديداً قائماً يتطور باستمرار. وغالباً ما ترتبط بالسوق السوداء للفن والآثار، وبشبكات تهريب دولية وجامعين أثرياء يعملون في الخفاء. أما عملية اللوفر عام 2025، فقد أضافت فصلاً جديداً إلى سجل السرقات الشهيرة، وميّزتها جرأتها غير المسبوقة: تسلّق اللصوص واجهة المتحف في وضح النهار. وبينما تُعيد المتاحف حول العالم تقييم إجراءاتها الأمنية، تبدو الرسالة واضحة: حماية الكنوز الثقافية تتطلّب يقظة دائمة، واستثماراً في أنظمة أمن حديثة، واستعداداً لمواجهة لصوص يزدادون تنظيماً وابتكاراً.