"المقاهي"... محطات تاريخية

ثقافة 17-10-2025 | 06:18

"المقاهي"... محطات تاريخية

من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.
"المقاهي"... محطات تاريخية
لوحة تصوّر مشهداً من مقهى نمسوي قديم، مؤرّخة عام 1900.
Smaller Bigger

من منتصف القرن الخامس عشر، ومن اليمن تحديداً، بدأت الحكاية مع المتصوفة الذين استخدموا القهوة للبقاء في حالة يقظة أثناء العبادة الليلية. أصبحت القهوة رمزاً للصفاء الروحي والتركيز، ونشأت حول الزوايا الصوفية أول أماكن تشبه المقاهي. وفي الحجاز ثم القاهرة، تحولت هذه الأماكن إلى ملتقيات للعلماء والحجاج والتجار، جمعت بين النقاش والمعرفة والدين.

يشير المؤرخ رالف هاتوكس إلى أن أول مقهى في إسطنبول افتُتح في عام 1554 على يد تاجرين من حلب ودمشق، ناقلين فكرة القهوة من العالم العربي إلى الدولة العثمانية. وتذكر مراجع أخرى أن "كيفا هان"، الذي أُنشئ في عام 1475، كان أول مكان يقدم القهوة للعامة ومهداً لثقافة المقاهي الاجتماعية والفكرية، وقد أسسه الأخوان الأرمنيان غارابيد وسركيس همبارسوميان.

في أوروبا، تأسس أول مقهى في البندقية في عام 1645، وكان نقطة انطلاق لانتشار ثقافة القهوة في القارة. وسرعان ما أصبحت المقاهي فضاءات للنقاش وتبادل الأخبار ومهداً للحياة الفكرية الحديثة.

أما في إنكلترا، فكان مقهى أوكسفورد الذي افتُتح نحو عام 1651 أول مقهى في البلاد، أسسه يعقوب "اليهودي"، أحد المهاجرين الشرقيين. وافتتح باسكوا روزي أول مقهى في لندن في عام 1652 في شارع سانت مايكل، ليصبح ملتقى الزوار لاكتشاف مشروب القهوة الجديد. وبعد حريق لندن الكبير في عام 1666، أُعيد بناؤه وعُرف لاحقاً بمقهى "جامايكا".

 

القهوة التقليدية.
القهوة التقليدية.

 

في العقود التالية، ازدهرت في إنكلترا مقاهٍ شهيرة مثل "لويدز" و"جوناثان"، التي تحولت إلى مراكز مالية أسفرت عن تأسيس مؤسسات كبرى مثل بورصة لندن وشركة "لويدز للتأمين". وهكذا أصبحت المقاهي ركيزة للحياة الاقتصادية والفكرية في عصر التنوير.

وفي باريس، يُعد "لو بروكوب" أقدم مقهى في المدينة، تأسس في حي سان جرمان في عام 1686، وكان ملتقى لفولتير وروسو وديدرو. هناك دخلت القهوة إلى المائدة الفرنسية وقدّمت في فناجين البورسلان، لتصبح رمزاً للذوق الباريسي والحياة الفكرية.

في أميركا، ظهرت المقاهي مع تأسيس "London Coffee House" في بوسطن في عام 1676، وكان ملتقى للتجار والسياسيين في الحقبة الاستعمارية. أما "Tontine Coffee House" في نيويورك (1793)، فكان مركزاً للتعاملات التجارية، ومهداً لتأسيس "بورصة نيويورك".

تطورت المقاهي في أوروبا لاحقاً إلى صالونات أدبية وفنية، أبرزها "كافيه سنترال" في فيينا (1876) و"كافيه دو فلور" في باريس، وكانت ملتقى لعمالقة الفكر والفن مثل فرويد وبيكاسو وسارتر، فغدت مراكز للإبداع والنقاش الثقافي.

في لبنان، ظهرت المقاهي في بيروت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، مع بدايات التحوّل العمراني والتجاري للمدينة. وكانت بيروت حينها تنتقل من بلدة ساحلية صغيرة إلى مدينة منفتحة على البحر والتجارة مع الداخل والخارج، فبرزت المقاهي كمكان للقاء التجار والبحّارة والمسافرين، وسرعان ما تحوّلت إلى فضاءات للنقاش والتبادل الاجتماعي والثقافي، لتصبح إحدى ملامح الحياة الحديثة في لبنان.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ثقافة 10/17/2025 6:10:00 AM
تُعدّ المقاهي الشعبية البيروتية مرآة دقيقة لتحوّلات المشهد الاجتماعي والثقافي للمدينة (1950–1970).
ثقافة 10/17/2025 6:15:00 AM
هذا المشروب الساحر لا يمكن تخيّله منفصلًا عن الشعور بالمشاركة وتحسين المزاج والحب.
ثقافة 10/17/2025 6:17:00 AM
المقهى.. أكثر من مجرد قهوة: تجربة حياة كاملة
ثقافة 10/17/2025 6:12:00 AM
كان الـ "هورس شو" في بناية المرّ قاطرة القافلة التي ضمت مقاهي الـ "إكسبرس" في بناية صباغ، و"مانهاتن" في بناية فرح، ثم مقاهي "نيغرسكو" و"ستراند" و"الدورادو" و"كافيه دو باري" و"مودكا" و"ويمبي" وغيرها.