عن الـ"هورس شو" وخلافه

كان يوم الاستقلال... في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1955، فتح منح الدبغي أبواب الـ"هورس شو"، فكان أول مقهى رصيف في شارع الحمرا... الشارع الذي سيتحول في فترة وجيزة إلى شارع المقاهي والمطاعم ودور السينما، فيصير أهم محرّك للوعي السياسي المديني في بيروت.
كان الـ "هورس شو" في بناية المرّ قاطرة القافلة التي ضمت مقاهي الـ "إكسبرس" في بناية صباغ، و"مانهاتن" في بناية فرح، ثم مقاهي "نيغرسكو" و"ستراند" و"الدورادو" و"كافيه دو باري" و"مودكا" و"ويمبي" وغيرها.
قيل كثيراً إن علاقةً سياسية حميمة ربطت "الهورس شو" بجريدة "النهار"، حتى نقل بعض مؤرخي التاريخ الشفوي البيروتي عن صحافيين ومواطنين قولهم إن الراحل غسان تويني كان يكتب افتتاحيات "النهار" فيه.
إلا أن فرانسوا عقل، رئيس التحرير السابق لـ"النهار" الذي عاصر تلك المرحلة البيروتية، يروي أن الحكاية وما فيها أن تويني الراحل، قبل أن تكبر "النهار" وتصير صحيفة ذائعة الصيت، كان رئيس شركة "بي أس آر"، أول شركة علاقات عامة في لبنان، وكانت مكاتبها في بناية الصحناوي في رياض الصلح، التي كانت تُؤوي أيضاً مكتب العميد ريمون إدة. وحين صار شارع الحمراء مقصداً للسياح، وطافت على ضفتيه المقاهي والمطاعم، انتقلت مكاتب الشركة إلى بناية المر، فوق مقهى "الهورس شو"، ومن يسأل عن تويني وشركته، يقال له: "فوق الهورس شو".
وبحسب عقل، لم يكن تويني من رواد المقاهي، وما كان يخط افتتاحيات "النهار" فيه ولا في غيره، "لكن كتاباً وصحافيين ومحررين في "النهار" كانوا يجلسون في هذا المقهى، ومنهم الياس الديري وميشال أبو جودة، وأنسي الحاج، ونزيه خاطر، فيتداولون في نقد الأعمال الفنية العامرة ببيروت"، كما أخبرتني الصحافية والكاتبة إيمان عبدالله، صاحبة كتاب "مطعم فيصل –مقابل الجامعة الأميركية في بيروت - ذاكرة المكان".
وفي هذا، يوافقها زياد سامي عيتاني، الإعلامي والباحث في التراث الشعبي، فقد أخبرني أن "الهورس شو" لم يكن مجرد مقهى، بل كان منبراً للتجريب الفني والمسرحي، "ففي عام 1969، عندما مُنعت مسرحية "مجدلون" من العرض في القاعات الرسمية، أُقيم العرض على الرصيف أمام المقهى كفعل تحدٍ للرقابة، ما عزز من مكانة المقهى كمركز ثقافي حيوي في بيروت".
بدأت نهاية قصة السياسة على رصيف الحمراء، مع إقفال الـ "مودكا" في 28 شباط/فبراير 2003، ثم أقفال الـ ويمبي" بعد أربعة أعوام، في 4 فبراير 2007، وهو المقهى الذي نقلته عملية قتل خالد علوان جنوداً إسرائيليين فيه من السياسة إلى العسكرة، فكان غيابه نقطة تحول في تاريخ بيروت "العروبية".