جدل في الأوساط الثقافية حول عضوية يهودي في لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ
ما كادت تعلن أسماء لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ للأدب في الجامعة الأميركية في القاهرة لعام 2026، حتى ضجت منصات التواصل الاجتماعي بجدل واسع حول أحد أعضائها المترجم البريطاني رافائيل كوهين، إذ وجه إليه بعض المثقفين اتهامات بـ"الصهيونية"، وبأنه سبق طرده من مصر، استناداً إلى تقارير صحافية نشرت في تسعينات القرن الماضي.
وسرعان ما أصدرت الجامعة الأميركية بياناً نفت فيه تلك الاتهامات، معلنه إقامته في القاهرة منذ 2006، وأنه لم يُجبر على مغادرة مصر لأسباب أمنية قط، وهو مترجم أدبي ومحرر بريطاني یحمل بكالوريوس من جامعة أوكسفورد، وماجستير من جامعة شیكاغو، وكان عضواً في حركة التضامن العالمية الداعمة للقضية الفلسطينية.
شهادات من عرفوه
توالت شهادة بعض من يعرفون رافائيل في مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة معاداته للصهيونية، وأبرزها شهادة مديرة تحرير موقع "أهرام أونلاين" دينا سمك عبر "فايسبوك": "رافائيل ليس صهيونياً (...). وسط رماد أوهام أوسلو، ترجم قصائد شعراء مصر الغاضبين مثل أمل دنقل وأحمد طه، الذين كتبوا ضد التطبيع وضد كل ما تمثّله الصهيونية وصرخ معهم في وجه المطبعين: لا تصالح! وما بعد أوسلو لم يتوقف عن النضال من أجل فلسطين حرة من النهر إلى البحر، فهو يعتبر أن لا خيار سوى دولة واحدة لكل مواطنيها يعيش فيها اليهودى والمسيحي والمسلم جنياً إلى جنب بحقوق متساوية ومواطنة حقيقية".

وأوضحت أنه ولد في برايتون لأبٍ يهودي من حيفا وأم سويسرية، "ونشأ بين لغاتٍ ثلاث وثقافاتٍ متداخلة: العبرية والعربية والألمانية، مع مسحةٍ فرنسية من قراءات أبيه، ومنذ بداياته، كان يرى في اللغة جسراً بين البشر لا سلاحًا ضدهم".
من داخل لجنة التحكيم
من جانبه، قال عضو لجنة تحكيم الجائزة سيد محمود لـ"النهار" إنّ معلوماته عن كوهين مستقاة من بيان الجامعة الأميركية، وبعض المنشورات التي تناولت مواقفه المؤيدة للفلسطينيين"، موضحًاً أن "هذه الجائزة تصدر عن الجامعة الأميركية الموجودة على الأراضي المصرية، برئاسة الدكتور أحمد دولا، أول عربي يتولى رئاستها طوال تاريخها، وبالتالي الجامعة لديها الحصافة والوعي بالسياق العربي في ظل هذه الأجواء، ما يجعلها لا تورط نفسها على أي مستوى، كما أن هذه اللجنة تقودها أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة هدى الصدة، وهي ناشطة بارزة في حركة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وتضم في عضويتها مي التلمساني وحمور زيادة، وجميعنا مواقفنا معلنة ضد السياسات الصهيونية، ومن المستحيل أن نعمل مع أي شخص مؤيد لإسرائيل".
وشدد على أن "من الخطأ الخلط بين من هو يهودي وبين من هو صهيوني، والآن ثمة دعم غربي وأجنبي واضح من نجوم وشخصيات عامة من جنسيات وديانات مختلفة للقضية الفلسطينية، ويجب ألا نتصرف بعنصرية"، معبراً عن تفهمه لمواقف بعض من هاجموه، ومعتبراً أنّ "الحساسية ربما تنطلق من دوافع وطنية، فالحذر ضروري ومطلوب، ومن حقهم الاطمئنان إلى توجهات أحد أعضاء اللجنة، ولن نرد عليهم بنزع الوطنية عنهم كما فعلوا معنا".
شواهد تنفي الاتهامات
في فلسطين، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، شهادة لرئيس تحرير منصة "فلسطين الثقافية" يوسف الشايب، الذي أكد أن رافائيل كوهين ناشط في حركة التضامن الدولية، وتواجد مع الناشط البريطاني توم هورندال في رفح عندما أطلق عليه قناص إسرائيلي النار في نيسان/أبريل 2003، وأدلى بشهادته حول الحادثة مؤكداً أن هورندال كان يحاول مساعدة أطفال فلسطينيين على الابتعاد عن مرمى النار. وفي عام 2009، ربح كوهين قضية تشهير ضد صحيفة "جويش كرونيكل" التي اتهمته زوراً بـ"إيواء انتحاريين بريطانيين"، وتبرع بجزء من التعويض المالي لمصلحة حركة التضامن الدولية، ولطالما اعتبر أن "الاحتلال" هو "الوجود الصهيوني في فلسطين"، وتتهم السلطات الإسرائيلية حركة التضامن الدولية بأنها ليست منظمة سلام حقيقية، بل واجهة لدعم ما تسميه "الإرهاب" والتحريض ضد إسرائيل.
وقال الشايب لـ"النهار" إنّه استند في معلوماته إلى مصادر عدة، أولها الفيلم الوثائقي "The Killing Zon" عام 2003، والذي يركز على الأخطار التي واجهها النشطاء الدوليون وأفراد حركة التضامن الدولية في غزة، وتناول حادثة إطلاق النار على هورندال في رفح، وتضمّن شهادة رفائيل كوهين كونه شاهداً رئيسياً على الحادثة ورفيقاً لهورندال. وثانياً تقرير في صحيفة "الغارديان" البريطانية بعنوان "ناشط بريطاني يصاب برصاصة في رأسه من طرف القوات الإسرائيلية"، بتاريخ 12 نيسان/أبريل 2003، إلى جانب تقرير لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) بعنوان "الإفراج المبكر عن قاتل توم هورندال هو عرض لجرائم إسرائيلية أوسع نطاقاً"، والمنشور بتاريخ 8 أيلول/سبتمبر 2010، إضافة إلى الموقع الرسمي لحركة التضامن الدولي، الذي تضمن بيانات صحافية وتقارير عن نشاطات المتطوعين، بما في ذلك بيانات متعلقة برفائيل مباشرة.
بين الحذر المشروع والتخوين العشوائي
وسرت آراء ترى أن هذا التسرع في اتهام كوهين بالصهيونية يفصح عن أزمة في الأوساط الثقافية، إذ قد يسفر هذا الاتهام السريع عن الإضرار بالقضية الفلسطينية نفسها، لأنه يشتت المعركة الحقيقية ويزرع الشك في حلفاء حقيقيين، لا أحد ينكر حق المثقف في التحذير من الاختراق الثقافي والتحلي باليقظة السياسية، لكن من دون الانزلاق في فخ التخوين السريع من دون التيقن وامتلاك الأدلة الدامغة.
ويرى سيد محمود أن الجميع واقعون تحت ضغط اللحظة الراهنة، لكن مسؤولية الصحافي أكبر خصوصاً مع توافر مواقع البحث وسهولة الوصول إلى معلومات متاحة في الوقت الراهن، على عكس حقب سابقة خلال التسعينات حين نشرت اتهامات عن رافائيل، إذ كان الوصول إلى المعلومات صعباً، فتكون المواقف غامضة أو ملتبسة.

وقال الشايب: "أعتقد أن ما خلق نوعاً من الالتباس هو اسمه، لا شك في أنه يهودي، واليهود جزء من النسيج المجتمعي تاريخياً في مصر، وفي فلسطين أيضاً عبر الطائفة السامرية في نابلس، والنقيض بالنسبة إلينا ليس اليهودي، بل الصهيوني بغض النظر عن جنسيته، وكل إسرائيلي يشكل جزءاً من منظومة الاحتلال والاستيطان في فلسطين.
وأضاف: "علينا ألا ننسى أن جزءاً ليس بسيطاً من المتضامين مع فلسطين وقضيتها، والرافضين لحرب الإبادة في غزة وجرائم الاحتلال في الضفة الغربية هم من اليهود في كل أنحاء العالم، وهم أصوات مهمة في فضح الاحتلال وجرائمه، وضحد روايته، وثمة جماعات يهودية مناهضة للاحتلال والصهيونية ومؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني كحركة "ناطوري كارتا"، فالاحتلال والصهيونية العالمية هما النقيض وليس اليهودية كدين سموي".
نبض