مشروع "ذاكرة ليبيا"… حلم رقمنة ملايين الوثائق التاريخية هل يرى النور؟
بينما تعيش ليبيا في فوضى عارمة وانقسام يضرب غالب المؤسسات، يكافح باحثو المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، عكس التيار، لصون ملايين الوثائق التاريخية التي تُمثل كنزاً لا يقدر بثمن.
ورغم تحديات مادية ولوجستية، يسعى المركز التابع لرئاسة الحكومة، إلى إحياء مشروع رقمنة "ذاكرة ليبيا التاريخية" وربطها بشبكة الإنترنت لتصبح الوثائق التاريخية متاحة للباحثين داخل ليبيا وخارجها، وفق الناطق باسم المركز وعضو مجلس إدارته الدكتور علي الهازل، الذي يُكذب رواية يتم تردادها بين الحين والآخر عن وجود أملاك لأجانب ويهود ليبيين الأصل جرى مصادرتها مع بداية عهد الرئيس الراحل معمر القذافي في سبعينات القرن الماضي.
ويضم المركز، الذي أنشئ عام 1977، قرابة 31 مليون وثيقة ومخطوطة للتاريخ الليبي، بالإضافة إلى عشرات الألوف من الصور الفوتوغرافية والمرسومة، ونحو 10 الاف ساعة لروايات شفوية وأفلام وثائقية مع قادة حركة المقاومة الوطنية الكبار. ويوضح الناطق بإسم المركز لـ "النهار" أن الوثائق المحفوظة تتناول حقباً تاريخية منذ الغزو الإسباني لمدينة طرابلس 1510، ومراحل الاحتلال الايطالي والإدارة البريطانية لليبيا، وكذلك العهد الملكي. لدينا أيضاً ارشيف رئاسة الوزراء منذ استقلال ليبيا عام 1951، والذي يحتوي على نحو 5 ملايين وثيقة.

ويلفت الهازل وهو استاذ في تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر إلى أن مركزه يملك وثائق وعقوداً موثقة تُثبت أن غالبية يهود ليبيا غادروها بين عامي 1948 و1967، وقد باعوا أملاكهم إلى ليبيين وحصلوا على مقابل مادي، في حين عاش ما تبقى من أعداد محدودة في عهد القذافي بحرية وكانوا يحصلون على إعانات حكومية.
ويشتكي ضعف الإمكانات وعدم الإهتمام الرسمي وحاجة المركز الى تعيين باحثيين جدد، ويقول: "نحن متأخرون جداً في مشروع الرقمنة، ولدينا تحديات عدة، فمنذ عام 2011 لم يُصرف للمركز موازنة لتطوير عمله، هناك محاولات وجهود عدة لإحياء مشروع الرقمنة. هناك وثائق أجريت رقمنتها بالفعل لكنها حتى الأن لم تربط بشبكة الانترنت. ويتم فقط استخدامها من داخل المركز. نحلم بوضع كل هذه المواد الوثائقية على شبكة الانترنت واتاحتها للجميع داخل ليبيا وخارجها".
وإذ يُطمئن الليبيين الى صون المركز ثرواتهم التراثية التي احتفظوا بها مئات السنين، من وثائق ومخطوطات وبعضها نادر وغير موجود مثله في العالم. لكنه يكشف عن ضياع وثائق، لا يمكن احصاء عددها، من داخل مؤسسات ليبية عدة في أعقاب حوادث شباط (فبراير) عام 2011.
ويجزم ايضاً أن عدداً من الدول وعلى رأسها إيطاليا ترفض الإفراج عن وثائق تتعلق بحقبة احتلالها ليبيا، مشيراً إلى أن روما تخفي وثائق تتعلق باعتقال ألاف الليبيين الذي قاوموا الاحتلال ونفيهم إلى بعض الجزر الايطالية وتوفوا هناك، بالإضافة إلى إقدام الاحتلال الإيطالي على تجنيد الألاف إجبارياً عام 1936 والزج بهم في القتال مع قواته في اثيوبيا واريتريا. هذه الوثائق لا يمكن الحصول عليها لأنها تُمثل إثبات ادانه ضد ايطاليا يمكن الحصول بمقتضاها على تعويضات.
ويؤكد على تعاون مركزه مع العديد من المنظمات الدولية المعنية بالتراث كـ"يونسكو" و"الألكسو". ولدينا اتفاق وقع عام 2010 مع الارشيف الدنماركي لجلب 14 الف وثيقة تخص العهد القرمانلي، لو تم جلبها ستُغطي مرحلة حكم الاسرة القرمانلية التي تعود اصولها الى الدولة العثمانية من 1711 الى 1835. لكن حتى الأن لم نستطع جلبها بسبب ضعف الامكانات المادية. وبالمثل هناك اتفاق مع إحدى الجامعات الألمانية لتنفيذ مشروع أول أطلس خاص بطرق تجارة القوافل من ليبيا إلى دول جوارها. لكن الجانب الليبي لم يف بالتزاماته المادية للطبع والتوزيع.
نبض